انظر رابط محرر بن محرز الباهلي القرشي صاحب حدبث من قال لا اله الا الله دخل الجنة
الرابط هو http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html
كتاب الصلاة النص منقول من نداء الايمان دون التحقيقات
// باب افتراضها ومتى كان
1 - عن عبد اللَّه بن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول
اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان).
متفق عليه.
قوله: (على خمس) في بعض الروايات خمسة بالهاء
وكلاهما صحيح فالمراد برواية الهاء خمسة أركان أو أشياء أو نحو ذلك وبرواية حذف
الهاء خمس خصال أو دعائم أو قواعد أو نحو ذلك.
قوله: (شهادة) بالجر على البدل ويجوز رفعه خبر
المبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف وتقديره أحدها أو منها.
قوله: (وإقام الصلاة) أي المداومة عليها.
والحديث يدل على أن كمال الإسلام وتمامه بهذه الخمس فهو
كخباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها الذي يدور عليه الأركان الشهادة وبقية شعب
الإيمان كالأوتاد للخباء. فظهر من هذا التمثيل أن الإسلام غير الأركان كما أن
البيت غير الأعمدة والأعمدة غيره وهذا مستقيم على مذهب أهل السنة لأن الإسلام
عندهم التصديق بالقول والعمل
[قال
الإمام ابن رجب: المراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس فهي
كالأركان لبنيانه. والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان ودعائم البنيان هذه الخمس فلا
يثبت البنيان بدونها وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان فإذا فقد منها شيء نقص
البنيان وهو قائم لا ينتقض بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول
بفقدها جميعًا بغير إشكال وكذلك يزول بفقد الشهادتين والمراد بهما الإيمان باللَّه
ورسوله.
وبهذا تعلم أن الإيمان باللَّه ورسوله داخل في ضمن الإسلام
إلى أن قال: وقال ابن عيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض بمنزلة ركوب المحارم
وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدًا من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل
ولا عذر وهو كفر وبيان ذلك في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعثة النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه. ثم قال: واعلم أن هذه
الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض كما في مسند
أحمد عن زياد ابن نعيم الحضرمي قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
أربع فرضهن اللَّه من الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئًا حتى يأتي بهن
جميعًا الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت).
وروي عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم: (الدين خمس لا يقبل اللَّه منهن شيئًا دون شيء شهادة أن لا إله إلا
اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله وإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله وبالجنة
والنار والحياة بعد الموت هذه واحدة والصلوات الخمس عمود الدين لا يقبل اللَّه
الإيمان إلا بالصلاة والزكاة طهور من الذنوب ولا يقبل اللَّه الإيمان ولا الصلاة
إلا بالزكاة فمن فعل هؤلاء الثلاث ثم جاء رمضان فترك صيامه متعمدًا لم يقبل اللَّه
منه الإيمان ولا الصلاة ولا الزكاة فمن فعل هؤلاء الأربعة ثم تيسر له الحج ولم يحج
ولم يوص بحجته ولم يحج عنه بعض أهله لم يقبل اللَّه منه الأربع التي قبلها) ذكره
ابن أبي حاتم وقال: سألت أبي عنه فقال: هذا حديث منكر يحتمل أن هذا من كلام
عطاء الخراساني. قلت: الظاهر أنه من تفسيره لحديث ابن عمر وعطاء من أجلاء
علماء الشام.
وقال ابن مسعود: من لم يزك فلا صلاة له اهـ من جامع
العلوم والحكم ببعض تصرف واللَّه أعلم].
والحديث أورده عبد اللَّه بن عمر في جواب من قال له ألا
تغزو فقال: (إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول بني
الإسلام) الحديث فاستدل به ابن عمر على عدم وجوب غير ما اشتمل عليه ومن جملة ذلك
الغزو لأن الإسلام بني على خمس ليس هو منها.
قال النووي في شرح مسلم: اعلم أن هذا الحديث أصل عظيم
في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه.
2 - وعن أنس بن مالك قال: (فرضت على النبي صلى
اللَّه عليه وسلم الصلوات ليلة أُسرِي به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسًا ثم نودي يا
محمد إنه لا يبدل القول لديَّ وإن لك بهذه الخمس خمسين). رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
الحديث في الصحيحين بلفظ: (هي خمس وهي خمسون)
وبلفظ: (هن خمس وهن خمسون) المراد أنها خمس في العدد وخمسون في الأجر
والاعتداد.
والحديث طرف من حديث الإسراء الطويل. وقد استدل به على
عدم فرضية ما زاد على الخمس الصلوات كالوتر وعلى دخول النسخ في الإنشاآت ولو كانت
مؤكدة خلافًا لقوم فيما أكد. وعلى جواز النسخ قبل الفعل وإليه ذهبت الأشاعرة قال
ابن بطال وغيره: في بيان وجه الدلالة ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل
أن تصلى ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب وتعقبه ابن المنير فقال: هذا ذكره
طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو
منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعًا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث
الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعًا قال: وهذه نكتة
مبتكرة.
قال الحافظ في الفتح: قلت إن أراد قبل البلاغ لكل أحد
فممنوع وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم ولكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم
نسخًا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأنه كلف بذلك
قطعًا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى اللَّه
عليه وسلم.
3 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: (فرضت الصلاة
ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعًا وتركت صلاة السفر على الأول). رواه أحمد والبخاري.
زاد أحمد من طريق ابن كيسان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا.
والحديث يدل على وجوب القصر وأنه عزيمة لا رخصة وقد أخذ
بظاهره الحنفية والهادوية واحتج مخالفوهم بقوله سبحانه {ليس عليكم جناح أن
تقصروا من الصلاة} ونفي الجناح لا يدل على العزيمة والقصر إنما يكون من شيء أطول
منه قالوا: ويدل على أنه رخصة قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (صدقة تصدق
اللَّه بها عليكم) وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم
تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره.
قال الحافظ: وفي هذا الجواب نظر أما أولًا فهو مما لا
مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وأما ثانيًا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة
يكون مرسل صحابي وهو حجة لأنه يحتمل أن يكون أخذه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك.
وأما قول إمام الحرمين لو كان ثابتًا لنقل متواترًا ففيه
نظر لأن التواتر في مثل هذا غير لازم وقالوا أيضًا يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن
عباس: (فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين) أخرجه مسلم.
- والجواب - أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس
فلا تعارض وذلك بأن يقال إن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب
ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن عائشة
قالت: (فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر
لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار) انتهى.
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند
نزول الآية السابقة. ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة
كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان
فيها.
وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية
ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه. وقيل بعد الهجرة
بأربعين يومًا فعلى هذا المراد بقول عائشة: (فأقرت صلاة السفر) أي باعتبار
ما آل إليه الأمر من التخفيف.
والمصنف ساق الحديث للاستدلال به على فرضية الصلاة لا
أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة ولعله يأتي تحقيق ما هو الحق
في باب صلاة السفر إن شاء اللَّه تعالى.
4 - وعن طلحة بن عبيد اللَّه: (أن أعرابيًا جاء إلى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول اللَّه أخبرني
ما فرض اللَّه عليَّ من الصلاة قال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا قال:
أخبرني ما فرض اللَّه عليَّ من الصيام قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا قال:
أخبرني ما فرض اللَّه عليَّ من الزكاة قال: فأخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم بشرائع الإسلام كلها فقال: والذي أكرمك لا أطوع شيئًا ولا أنقص مما
فرض اللَّه عليَّ شيئًا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أفلح إن صدق
أو دخل الجنة إن صدق). متفق عليه.
الحديث أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي ومالك في الموطأ
وغير هؤلاء.
قوله: (أن أعرابيًا) في رواية (جاء رجل) زاد
أبو داود (من أهل نجد) وكذا في مسلم والموطأ.
قوله: (ثائر الرأس) هو مرفوع على الوصف على رواية
جاء رجل ويجوز نصبه على الحال والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية ففيه إشارة
إلى قرب عهده بالوفادة. وأوقع اسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه
ينبت.
قوله: (إلا أن تطوع) بتشديد الطاء والواو وأصله
تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما.
قوله: (والذي أكرمك) وفي رواية إسماعيل بن جعفر
عند البخاري (واللَّه).
قوله: (أفلح إن صدق) وقع عند مسلم من رواية
إسماعيل بن جعفر (أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) ولأبي داود
مثله. (فإن قيل) ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء أجيب عن ذلك
بأنه كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف أو فيه
إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه أو أنه خاص ويحتاج إلى دليل.
وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال: هو تصحيف وإنما
كان واللَّه فقصرت اللامان واستنكره القرطبي وغفل القرافي فادعى أن الرواية
بلفظ: (وأبيه) لم تصح وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية
فيه. قال الحافظ: وأقوى الأجوبة الأولان.
والحديث يدل على فرضية الصلاة وما ذكر معها على
العباد. قال المصنف رحمه اللَّه: فيه مستدل لمن لم يوجب صلاة الوتر ولا صلاة
العيد انتهى.
وقد أوجب قوم الوتر وآخرون ركعتي الفجر وآخرون صلاة
الضحى وآخرون صلاة العيد وآخرون ركعتي المغرب وآخرون صلاة التحية ومنهم من لم يوجب
شيئًا من ذلك وجعل هذا الحديث صارفًا لما ورد بعده من الأدلة المشعرة بالوجوب.
وفي الحديث أيضًا دليل على عدم وجوب صوم عاشوراء وهو
إجماع وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة وفيه غير ذلك وقد جعل هذا الحديث دليلًا
على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي لأن ما وقع في مبادئ التعاليم لا يصح التعلق به في
صرف ما ورد بعده وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة وأنه خرق للإجماع
وإبطال لجمهور الشريعة فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردًا صحيحًا
ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين.
والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه ويطيل التدبر فإن معرفة الحق فيه
من أهم المطالب العلمية لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنه
العد.
وقد أعان اللَّه وله الحمد على جمع رسالة في خصوص هذا
المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث في غير هذا الباب وهذا موضع عرض
ذكرها فيه.
// باب قتل تارك الصلاة
1 - عن ابن عمر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول
اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا
بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه عز وجل). متفق عليه. ولأحمد مثله من حديث أبي هريرة.
قوله: (أمرت) قال الخطابي: معلوم أن المراد
بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه أهل الأوثان دون أهل
الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا اللَّه ويقاتلون ولا يرفع عنهم السيف وهذا التخصيص
بأهل الأوثان إنما يحتاج إليه في الحديث الذي اقتصر فيه على ذكر الشهادة وجعلت
لمجردها موجبة للعصمة. وأما حديث الباب فلا يحتاج إلى ذلك لأن العصمة متوقفة على
كمال تلك الأمور ولا يمكن وجودها جميعًا من غير مسلم.
والحديث يدل على أن من أخل بواحدة منها فهو حلال الدم
والمال إذا لم يتب وسيأتي ذكر الخلاف وبيان ما هو الحق في الباب الذي بعد هذا.
وفي الاستتابة وصفتها ومدتها خلاف المعروف في الفقه.
قوله: (إلا بحق الإسلام) المراد ما وجب به من
شرائع الإسلام إراقة الدم كالقصاص وزنا المحصن ونحو ذلك أو حل به أخذ جزء من المال
كأروش الجنايات وقيم المتلفات وما وجب من النفقات وما أشبه ذلك.
قوله: (وحسابهم على اللَّه) المراد فيما يستسر به
ويخفيه دون ما يعلنه ويبديه. وفيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في
الظاهر وهذا قول أكثر العلماء.
وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ويحكى ذلك عن
أحمد بن حنبل قاله الخطابي.
وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه وأوضحه. قال
النووي: وقد اختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق
[ومن هؤلاء
الزنادقة ملحدوا أهل زمننا الذين يقلدون الفرنج في الإلحاد تقليدًا أعمى ويقولون
إن الشرائع الإسلامية لا تلائم روح العصر الحاضر ولا يتفق قطع يد السارق مثلًا
ومظاهر التحضر والتمدين الذي لا يعدو بعض شهوات النفوس وما تهواه من لذة النساء أو
المال وهذا كل ما يتغنون به من الحضارة فأما تزكية النفس وترقية الأخلاق وتهذيب
الروح وتصفيتها من تلك الكدورات التي هي مثار الأنانية وحب الذات الذي طالما قضى
على سعادة الإنسان وراحته وما العهد بالحرب الأوربية ببعيد وما أساسها إلا تلك
المدنية والحضارة الموهومة أقول: أما كل ذلك الذي يهنأ به الإنسان وتحيا به
الأمم أما ذلك النور الذي يهدي به اللَّه من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم فقد أعلنوا براءتهم منه بل
أعلنوا حربهم عليه ليس إلا لأنه دين سماوي جاء من عند الحكيم الخبير وأخذوا يهاجمونه
من كل ناحية ويحاولون القضاء عليه يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم ويأبى
اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وعلماء الإسلام غافلون عن كل ذلك فيما
هم فيه مما نسأل اللَّه لهم منه العافية وأن ينزع من قلوبهم تلك التي فتنتهم
وصرفتهم عن خدمته ما اعتزوا به والتجؤوا إليه واللَّه وحده المسؤول أن يحفظنا من
الفتن ويهدينا جميعًا سبيله السوي وصراطه المستقيم].
وهو الذي ينكر الشرع جملة قال: فذكروا فيه خمسة أوجه
لأصحابنا والأصوب فيها: قبولها مطلقًا للأحاديث الصحيحة المطلقة. والثاني:
لا تقبل ويتحتم قتله لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة فكان من أهل
الجنة. والثالث: إن تاب مرة واحدة قبلت توبته فإن تكرر ذلك منه لم تقبل.
والرابع: إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه وإن كان تحت السيف فلا.
والخامس: إن كان داعيًا إلى الضلال لم يقبل منه وإلا قبل.
قال النووي: وأيضًا ولا بد مع هذا يعني القيام بالأمور
المذكورة في الحديث من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كما جاء في الرواية الأخرى التي أشار إليها المصنف وهي من حديث أبي هريرة في
صحيح مسلم بلفظ: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه ويؤمنوا بي وبما جئت به
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).
2 - وعن أنس بن مالك قال: (لما توفي رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم ارتدت العرب فقال: يا أبا بكر كيف نقاتل العرب فقال أبو
بكر: إنما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة).
رواه النسائي.
الحديث أخرجه أيضًا البيهقي في السنن وإسناده في سنن
النسائي هكذا أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا عمران أبو العوام
حدثنا معمر عن الزهري عن أنس فذكره وكلهم من رجال الصحيح إلا عمران أبو العوام
فإنه صدوق يهم ولكن قد ثبت معناه في الصحيحين لكن بدون أنه قال ذلك أبو بكر في
مراجعته لعمر بل الذي فيهما أن عمر احتج على أبي بكر لما عزم على قتال أهل الردة
بقول النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا اللَّه فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم نفسه وماله فقال له أبو بكر:
واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال واللَّه لو منعوني
عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لقاتلتهم على
منعه).
قال النووي: وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي
اللَّه عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ما رواه ابن عمر وأنس وأبو هريرة يعني من الأحاديث التي فيها ذكر الصلاة والزكاة
فإن عمر لو سمع لما خالف ولما احتج بالحديث فإنه بهذه الزيادة حجة عليه ولو سمع
أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها ولما احتج بالقياس والعموم اهـ. وإنما ذكرنا هذا
الكلام للتعريف بأن المشهور عند أهل الصحيح والشارحين له خلاف ما ذكره النسائي في
هذه الرواية وسيأتي الكلام على مراجعة أبي بكر وعمر مبسوطًا في كتاب الزكاة.
والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن المخل
بواحدة من هذه الخصال حلال الدم ومباح المال.
3 - وعن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي عليه السلام
وهو باليمن إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذهبية فقسمها بين أربعة فقال
رجل: يا رسول اللَّه اتق فقال: ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه ثم
ولى الرجل فقال خالد بن الوليد: يا رسول اللَّه ألا أضرب عنقه فقال: لا لعله
أن يكون يصلي فقال خالد: وكم من مصلي يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق
بطونهم). مختصر من حديث متفق عليه.
الحديث اختصره المصنف وترك أطرافًا من أوائله وتمامه
قال: (ثم نظر إليه وهو مقف فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب
اللَّه لينًا رطبًا لئن أدركتهم لأقتلهن قتل ثمود) انتهى.
قوله: (بذهيبة) على التصغير. وفي رواية بذهبة
بفتح الذال.
قوله: (بين أربعة) هم عيينة بن حصن والأقرع بن
حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل كذا في صحيح
مسلم.
قال النووي: قال العلماء ذكر عامر هنا غلط ظاهر لأنه
توفي قبل هذا بسنين والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في باقي
الروايات.
قوله: (فقال خالد بن الوليد) في رواية عمر بن
الخطاب وليس بينهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه.
قوله: (لعله أن يكون يصلي) فيه أن الصلاة موجبة
لحقن الدم ولكن مع بقية الأمور المذكورة في الأحاديث الآخرة.
قوله: (لم أومر أن أنقب) الخ معناه إني أمرت
بالحكم بالظاهر واللَّه متولي السرائر كما قال صلى اللَّه عليه وسلم (فإذا قالوا
ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه). والحديث استدل
به على كفر الخوارج لأنهم المرادون بقوله في آخره (قوم يتلون كتاب اللَّه) كما
صرح بذلك شراح الحديث وغيرهم. وقد اختلف الناس في ذلك قال النووي بعد أن صرح هو
والخطابي بأن الحديث وأمثاله يدل على كفر الخوارج: وقد كادت هذه المسألة تكون
أشد إشكالًا من سائر المسائل ولقد رأيت أبا المعالي وقد رغب إليه الفقيه عبد الحق
في الكلام عليها فاعتذر بأن الغلط فيها يصعب موقعه لأن إدخال كافر في الملة وإخراج
مسلم منها عظيم في الدين. وقد اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر الباقلاني وناهيك
به في علم الأصول وأشار ابن الباقلاني إلى أنها من المعوصات لأن القوم لم يصرحوا
بالتكفير
[لعله
بالكفر أو ما يوجب التكفير]. وإنما قالوا قولًا يؤدي إلى ذلك.
وأنا أكشف لك نكتة الخلاف وسبب الإشكال وذلك أن المعتزلي
مثلًا إذا قال إن اللَّه تعالى عالم ولكن لا علم له وحي ولا حياة له وقع الاشتباه
في تكفيره لأنا علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال أن اللَّه ليس بحي ولا عالم
كان كافرًا وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له فهل يقول إن المعتزلي إذا
نفى العلم نفى أن يكون اللَّه عالمًا أو يقول قد اعترف بأن اللَّه تعالى عالم فلا
يكون نفيه للعلم نفيًا للعالم هذا موضوع الإشكال.
قال: هذا كلام الماوردي ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه
وجماهير العلماء أن الخوارج لا يكفرون. قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء
إلا الخطابية وهم طائفة من الرافضة يشهدون لموافقيهم في المذهب بمجرد قولهم فرد
شهادتهم لهذا لا لبدعتهم وسيأتي الكلام على الخوارج مبسوطًا في كتاب الحدود.
وقد استدل المصنف بالحديث على قبول توبة الزنديق فقال:
وفيه دليل لمن يقبل توبة الزنديق انتهى. وقد تقدم الكلام على ذلك وما ذكره متوقف
على أن مجرد قوله لرسول اللَّه (اتق اللَّه) زندقة وهو خلاف ما عرف به العلماء
الزنديق.
وقد ثبت في رواية أخرى في الصحيح أنه قال (واللَّه إن هذه
قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه اللَّه) والاستدلال بمثل هذا على ما زعمه
المصنف أظهر.
قال القاضي عياض: حكم الشرع أن من سب النبي صلى اللَّه
عليه وسلم كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل. قال المازري:
يحتمل أن يكون لم يفهم منع الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة
ويحتمل أن يكون استدلال المصنف ناظرًا إلى قوله في الحديث (لعله يصلي) وإلى
قوله: (لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس) فإن ذلك يدل على قبول ظاهر التوبة
وعصمة من يصلي فإذا كان الزنديق قد أظهر التوبة وفعل أفعال الإسلام كان معصوم
الدم.
4 - وعن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار: (أن رجلًا من
الأنصار حدثه أنه أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في مجلس يساره يستأذنه
في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أليس يشهد
أن لا إله إلا اللَّه قال الأنصاري: بلى يا رسول اللَّه ولا شهادة له قال: أليس
يشهد أن محمدًا رسول اللَّه قال: بلى ولا شهادة له قال: أليس يصلي قال: بلى
ولا صلاة له قال: أولئك الذين نهاني اللَّه عن قتلهم). رواه الشافعي وأحمد في مسنديهما.
الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ وفيه دلالة على أن الواجب
المعاملة للناس بما يعرف من ظواهر أحوالهم من دون تفتيش وتنقيش فإن ذلك مما لم
يتعبدنا اللَّه به ولذلك قال: (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس) وقال
لأسامة لما قال له إنما قال ما قال يا رسول اللَّه تقية يعني الشهادة: (هل
شققت عن قلبه) واعتباره صلى اللَّه عليه وسلم لظواهر الأحوال كان ديدنًا له وهجيرًا
في جميع أموره منها قوله صلى اللَّه عليه وسلم لعمه العباس لما اعتذر له يوم بدر
بأنه مكره فقال له: (كان ظاهرك علينا) وكذلك حديث: (إنما أقضي بما أسمع
فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من نار) وكذلك
حديث: (إنما نحكم بالظاهر) وهو وإن لم يثبت من وجه معتبر فله شواهد متفق على
صحتها ومن أعظم اعتبارات الظاهر ما كان منه صلى اللَّه عليه وسلم مع المنافقين من
التعاطي والمعاملة بما يقتضيه ظاهر الحال.
// باب حجة من كفَّر تارك الصلاة
1 - عن جابر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة). رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.
الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر [قلت المدون نعم من موجبات الكفر واقول انا المدون لكنه ليس من موجبات التكفير والحكم عليه في الظاهر الا ان يظهر التارك للصلاة عدم وجود مانع لتركه الصلاة ويعلن اصراراه عليه ذلك لأن النص يعتبر من نصوص الوعيد التي تتحقق وحدها عند الموت علي ما توعد منه فيها من غير توبة لأن الالتزام الظاهري لا يصلح معه الا الاداء الظاهر والموت علي الترك عياذا بالله الواحد موجب للخلود في النار ابدا وان تأبي أصحاب التأويل انظر الرابط http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html ]ولا خلاف
بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرًا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام
أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة وإن كان تركه لها تكاسلًا مع
اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس[قلت فهذا أدعي لتأكيد كفره لكن ان مات غير تائب من تركها مصرا عليها أما ما يزعم بأن النص يستخدم في التكفير الظاهري فهذا خطأ الا في حالة مجاهرة التارك للصلاة وبواح تركه لها بدون عذر ولا اضطرار ولا اكراه ولا بلوغ ولا نوم عنها ولا نسيان ولا جنون حين ذاك يُقتل للردة واصراره العلني علي تركها لأنه صار مرتدا بهذه الشروط ولا يقوم بذلك الا الحاكم المسلم المستخلف علي اقامة حدود الله لقول الله تعالي إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فال تعالي {{{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ
فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي
سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}}}/سورة المائدة وما يقال غير هذا فهو درب من اللغو والعبث ] فقد اختلف الناس في ذلك فذهبت العترة والجماهير
من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه
حدًا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف.
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن
أبي طالب عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وبه قال عبد اللَّه بن
المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي.
وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب
الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي.
احتج الأولون على عدم كفره بقول اللَّه عز وجل {إن
اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وبما سيأتي في الباب الذي
بعد هذا من الأدلة.
واحتجوا على قتله بقوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة
وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وبقوله صلى اللَّه عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) الحديث متفق عليه. وتأولوا قوله صلى اللَّه
عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) وسائر أحاديث الباب على أنه
مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد
يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار.
واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب.
واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل
القول الأول وعلى عدم القتل بحديث: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)
وليس فيه الصلاة.
والحق أنه كافر يقتل أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع
سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه
هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها
الأولون لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق
الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا فلا ملجئ إلى
التأويلات التي وقع الناس في مضيقها
[قال الحافظ
ابن رجب: وأما إقام الصلاة فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج
من الإسلام ثم ساق حديث جابر وبعض ما ذكر هنا ثم قال: وفي حديث معاذ عن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة فجعل الصلاة كعمود
الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط ولا يثبت إلا به ثم قال: وقال عمر: لا حظ في
الإسلام لمن ترك الصلاة وقال سعد وعلي بن أبي طالب: من تركها فقد كفر وقال عبد
اللَّه بن شقيق: كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يرون من الأعمال
شيئًا تركه كفر إلا الصلاة. وقال أبو أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف
فيه ثم قال: وحكى إسحاق إجماع أهل العلم عليه وقال محمد بن نصر المروزي: هو قول
جمهور أهل العلم من المحدثين اهـ من جامع العلوم والحكم.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب: من ترك الصلاة قال
أبو محمد ابن حزء: وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة
وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم: أن من ترك صلاة فرض واحد متمعدًا حتى يخرج وقتها
فهو كافر مرتد لا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفًا.
قال الحافظ عبد العظيم: قد ذهب جماعة من الصحابة ومن
بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدًا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن
الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه ابن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد
اللَّه وأبو الدرداء رضي اللَّه عنهم ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق ابن
راهويه وعبد اللَّه ابن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب الستختياني وأبو داود
الطيالسي وأبو بكر ابن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم اللَّه تعالى اهـ من
الترغيب والترهيب واللَّه أعلم]. وأما أنه يقتل فلأن حديث: (أمرت أن أقاتل
الناس) يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له وكذلك سائر الأدلة المذكورة في
الباب الأول ولا أوضح من دلالتها على المطلوب وقد شرط اللَّه في القرآن التخلية
بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة فخلوا سبيلهم} فلا يخلى من لم يقم الصلاة.
وفي صحيح مسلم (سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن
أنكر فقد برئ عنقه ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقالوا: ألا نقاتلهم
قال: لا ما صلوا) فجعل الصلاة هي المانعة من مقاتلة أمراء الجور. وكذلك قوله
لخالد في الحديث السابق (لعله يصلي) فجعل المانع من القتل نفس الصلاة.
وحديث (لا يحل دم امرئ مسلم) لا يعارض مفهومه
المنطوقات الصحيحة الصريحة. والمراد بقوله في حديث الباب (بين الرجل وبين
الكفر ترك الصلاة) كما قال النووي إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإن
تركها لم يبق بينه وبين الكفر حائل. وفي لفظ مسلم (بين الرجل وبين الشرك
والكفر ترك الصلاة).
ومن الأحاديث الدالة على الكفر حديث الربيع بن أنس عن
أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر
جهارًا) ذكره الحافظ في التلخيص وقال: سئل الدارقطني عنه فقال: رواه أبو
النضر عن أبي جعفر عن الربيع موصولًا وخالفه علي بن الجعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع
مرسلًا وهو أشبه بالصواب. وأخرجه البزار من حديث أبي الدرداء بدون قوله:
(جهارًا) وأخرج ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعًا (تارك الصلاة
كافر) واستنكره. ورواه أبو نعيم من حديث أبي سعيد وفيه عطية وإسماعيل بن يحيى
وهما ضعيفان.
قال العراقي: لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث جابر
المذكور. وحديث بريدة الذي سيأتي وأخرج ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال:
(أوصاني خليلي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن لا تشرك باللَّه وإن قطعت وحرقت وأن
لا تترك صلاة مكتوبة متعمدًا فمن تركها متعمدًا فقد برئت منه الذمة ولا تشرب الخمر
فإنها مفتاح كل شر) قال الحافظ: وفي إسناده ضعف. ورواه الحاكم في المستدرك
ورواه أحمد والبيهقي من طريق أخرى وفيه انقطاع.
ورواه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت ومن حديث معاذ
بن جبل وإسنادهما ضعيفان. وقال ابن الصلاح والنووي: إنه حديث منكر.
واختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة فالجمهور أنه
يضرب عنقه بالسيف وقيل يضرب بالخشب حتى يموت واختلفوا أيضًا في وجوب الاستتابة
فالهادوية توجبها وغيرهم لا يوجبها لأنه يقتل حدًا ولا تسقط التوبة الحدود كالزاني
والسارق وقيل إنه يقتل لكفره فقد حكى جماعة الإجماع على كفره كالمرتد وهو الظاهر
وقد أطال الكلام المحقق ابن القيم في ذلك كتابه في الصلاة والفرق بينه وبين الزاني
واضح فإن هذا يقتل لتركه الصلاة في الماضي وإصراره على تركها في المستقبل والترك
في الماضي يتدارك بقضاء ما تركه بخلاف الزاني فإنه يقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى
تركها واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة
واحدة والأحاديث قاضية بذلك والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه.
قال أحمد بن حنبل: إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال لا
أصلي حتى خرج وقتها وجب قتله وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو
غسل أو استقبال قبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنًا أو شرطًا.
2 - وعن بريدة قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يقول: العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر). رواه الخمسة.
الحديث صححه النسائي والعراقي ورواه ابن حبان والحاكم
وهو يدل على أن تارك الصلاة يكفر لأن الترك الذي جعل الكفر معلقًا به مطلق عن
التقييد وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها. والخلاف في المسألة والتصريح
بما هو الحق فيها قد تقدم في الذي قبله.
3 - وعن عبد اللَّه بن شقيق العقيلي قال: (كان أصحاب
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير
الصلاة). رواه الترمذي.
الحديث رواه الحاكم وصححه على شرطهما وذكره الحافظ في
التلخيص ولم يتكلم عليه والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة لأن
قوله كان أصحاب رسول اللَّه جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك.
4 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له
نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا
ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيَّ بن خلف). رواه أحمد.
الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والأوسط. وقال
في مجمع الزوائد: رجال أحمد ثقات وفيه أنه لا انتفاع للمصلي بصلاته إلا إذا كان
محافظًا عليها لأنه إذا انتفى كونها نورًا وبرهانًا ونجاة مع عدم المحافظة انتفى
نفعها.
وقوله: (وكان يوم القيامة مع قارون) الخ يدل على
أن تركها كفر متبالغ لأن هؤلاء المذكورين هم أشد أهل النار عذابًا وعلى تخليد
تاركها في النار كتخليد من جعل معهم في العذاب فيكون هذا الحديث مع صلاحيته للاحتجاج
مخصصًا لأحاديث خروج الموحدين وقد ورد من هذا الجنس شيء كثير في السنة ويمكن أن
يقال مجرد المعية والمصاحبة لا يدل على الاستمرار والتأييد لصدق المعنى اللغوي
بلبثه معهم مدة لكن لا يخفى أن مقام المبالغة يأبى ذلك وسيأتي في الباب الثاني ما
يعارضه.
======
باب حجة من لم يكفَّر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلود
في النار ورَجا له ما يُرجى لأهل الكبائر
وأيما كانت حجتهم فهم مخطئون واستدلوا بنصوص قطعية لا تقبل التأويل علي انها ظنية تقبل التأويل انظر الرابط التالي
http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html
1 - عن ابن محيريز: (أن رجلًا من بني كنانة يدعى
المخدجي{هذا رجل مجهول ولم تزل جهالته بمتابعة او رواي اخري ولا شاهد يدعم روايه} سمع رجلًا بالشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب قال المخدجي:
فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة: كذب أبو محمد سمعت رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد من أتى بهن
لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند اللَّه عهد أن يدخله الجنة ومن لم
يأت بهن فليس له عند اللَّه عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وقال فيه:
(ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئًا استخفافًا بحقهن).
الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ وابن حبان وابن
السكن. قال ابن عبد البر: هو صحيح ثابت لم يختلف عن مالك فيه ثم قال: والمخدجي مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
قال الشيخ تقي الدين القشيري: انظر إلى تصحيحه لحديثه
مع حكمه بأنه مجهول وقد ذكره ابن حبان في الثقات ولحديثه شاهد من حديث أبي قتادة
عند ابن ماجه ومن حديث كعب بن عجرة عند أحمد. {قلت المدون هذه الشواهد لا تصح ولا يصلح تدعيم المخدجي علي روايته لها لأن أحاديث العقائد والاحكام الشرعية الاصل فيها البناء علي الثابت المدعوم بالمتابعات والطرق المتعددة}
قال الشوكاني ورواه أبو داود الصنابحي قال: زعم أبو محمد أن الوتر
واجب فقال عبادة بن الصامت وساق الحديث. والمخدجي المذكور في هذا الإسناد هو بضم
الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة ثم جيم بعدها ياء النسب قيل اسمه
رفيع.
وأبو محمد المذكور هو مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن
زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار وقيل مسعود بن زيد بن سبيع يعد في
الشاميين وقد عده الواقدي وطائفة من البدريين ولم يذكره ابن إسحاق فيهم وذكره
جماعة في الصحابة.
وقول عبادة كذب أبو محمد أي أخطأ ولا يجوز أن يراد به
حقيقة الكذب لأنه في الفتوى ولا يقال لمن أخطأ في فتواه كذب. وأيضًا قد ورد في
الحديث ما يشهد لما قاله كحديث (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا) عند أبي داود
من حديث بريدة وغيره من الأحاديث وسيأتي بسط الكلام على ذلك في باب أن الوتر سنة مؤكدة
إن شاء اللَّه تعالى.
والحديث ساقه المصنف للاستدلال به
على عدم كفر من ترك الصلاة وعدم استحقاقه للخلود في النار لقوله (إن شاء عذبه
وإن شاء غفر له) وقد عرفنا في الباب الأول أن الكفر أنواع منها ما لا ينافي
المغفرة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا وهو يدل على عدم
استحقاق كل تارك للصلاة للتخليد في النار. {قلت المدون
الحديث اصلا ضعيف جدا فيه المخدجي متهم في عدالته بالجهالة فهو حديث ساقط}[[قلت المدون كل الكفر شكل وملة وسلوك واحد انظر الرابط التالي
/http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html
/https://thelowofalhak.blogspot.com/2018/08/blog-post_81.html/و https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2019/11/blog-post_58.html//]]
https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/2019/11/blog-post_58.html
قوله (استخفافًا بحقهن) هو قيد للمنفي لا للنفي.
قوله (كان له عند اللَّه عهد أن يدخله الجنة) فيه
متمسك للمرجئة القائلين بأن الذنوب لا تضر من حافظ على الصلوات المكتوبة وهو مقيد
بعدم المانع كأحاديث (من قال لا إله إلا اللَّه) ونحوها لورود النصوص الصريحة كتابًا
وسنة بذكر ذنوب موجبة للعذاب كدم المسلم وماله وعرضه وغير ذلك مما يكثر تعداده.
[[[[ قلت المدون حديث من قال لا إله الا الله دخل الجنة بهذا اللفظ حديث غير محفوظ تفر به محرز الواقدي ولم يتابع علي لفظه من قال لا اله الا الله دخل الجنة انما المحفوظ هو نفس اللفظ لكنه تام بمجيئه صحيحا بزيادات الاخلاص والصدق وأضافات أخري تامة ومحفوظة انظر تحقيقه في مدونة استكمال مدونة قانون الحق الالهي وها هو الرابط {{{{http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html ]]]]]
انظر رابط محرر بن محرر الباهلي القرشي صاحب حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة
الرابط هو http://thelawofdivinetruth1.blogspot.com/2020/12/113.html
2 - وعن أبي هريرة قال: (سمعت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة
المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة
من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك). رواه الخمسة.
الحديث أخرجه أبو داود من ثلاث طرق طريقتين متصلتين بأبي
هريرة والطريق الثالثة بتميم الداري وكلها لا مطعن فيها ولم يتكلم عليه هو ولا
المنذري بما يوجب ضعفه وأخرجه النسائي من طريق إسنادها جيد ورجالها رجال الصحيح
كما قال العراقي وصححها ابن القطان. وأخرج الحديث الحاكم في المستدرك وقال:
هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وفي الباب عن تميم الداري عند أبي داود وابن ماجه بنحو
حديث أبي هريرة قال العراقي: وإسناده صحيح وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال:
إسناده صحيح على شرط مسلم. وعن أنس عند الطبراني في الأوسط. وعن أبي سعيد قال
العراقي: رويناه في الطبوريات في انتخاب السلفي منها وفي إسناده حصين بن مخارق
نسبه الدارقطني إلى الوضع وعن صحابي لم يسم عند أحمد في المسند.
والحديث يدل على أن ما لحق الفرائض من النقص كملته
النوافل. وأورده المصنف في حجج من قال بعدم الكفر لأن نقصان الفرائض أعم من أن
يكون نقصًا في الذات وهو ترك بعضها أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها أو
أركانها وجبرانها بالنوافل مشعر بأنها مقبولة مثاب عليها والكفر ينافي ذلك.
وقد عرفت الكلام على ذلك فيما سلف ثم أورد من الأدلة ما
يعتضد به قول من لم يكفر تارك الصلاة وعقبه بتأويل لفظ الكفر الواقع في الأحاديث
فقال:
3 - ويعضد هذا المذهب عمومات: منها ما روي عن عبادة بن
الصامت قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من شهد أن لا إله إلا
اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد اللَّه وكلمته ألقاها
إلى مريم وروح منه والجنة والنار حق أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل).
متفق عليه.
4 - وعن أنس بن مالك: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال ومعاذ رديفه على الرحل: يا معاذ قال: لبيك يا رسول اللَّه
وسعديك ثلاثًا ثم قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده
ورسوله إلا حرمه اللَّه على النار قال: يا رسول اللَّه أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا
قال: إذن يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا أي خوفًا من الإثم بترك الخبر
به). متفق عليه.
5 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي
شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه
شيئًا). رواه مسلم.
6 - وعنه أيضًا: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا اللَّه خالصًا من قلبه).
رواه البخاري. وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر
النعمة أو على معنى قد قارب الكفر وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أريد بها ذلك.
7 - فروى ابن مسعود قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).
متفق عليه.
8 - وعن أبي ذر أنه: (سمع رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يقول: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما
ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار).
متفق عليه.
9 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على
الميت).
رواه أحمد ومسلم.
10 - وعن ابن عمر قال: (كان عمر يحلف وأبي فنهاه
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقال: من حلف بشيء دون اللَّه فقد أشرك).
رواه أحمد.
11 - وعن ابن عباس قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: مدمن الخمر إن مات لقي اللَّه كعابد وثن).
رواه أحمد. انتهى كلام المصنف.
وأقول قد أطبق أئمة المسلمين من السلف والخلف والأشعرية
والمعتزلة وغيرهم أن الأحاديث الواردة بأن من قال لا إله إلا اللَّه دخل الجنة
مقيدة بعدم الإخلال بما أوجب اللَّه من سائر الفرائض وعدم فعل كبيرة من الكبائر
التي لم يتب فاعلها عنها وأن مجرد الشهادة لا يكون موجبًا لدخول الجنة فلا يكون حجة
على المطلوب ولكنهم اختلفوا في خلود من أخل بشيء من الواجبات أو قارف شيئًا من
المحرمات في النار مع تكلمه بكلمة الشهادة وعدم التوبة عن ذلك فالمعتزلة جزموا
بالخلود والأشعرية قالوا يعذب في النار ثم ينقل إلى الجنة.
وكذلك اختلفوا في دخوله تحت المشيئة فالأشعرية وغيرهم قالوا
بدخوله تحتها والمعتزلة منعت من ذلك وقالوا لا يجوز على اللَّه المغفرة لفاعل
الكبيرة مع عدم التوبة عنها.
وهذه المسائل محلها علم الكلام وإنما ذكرنا هذا للتعريف
بإجماع المسلمين على أن هذه الأحاديث مقيدة بعدم المانع ولهذا أوَّلها السلف فحكي
عن جماعة منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ورد بأن راوي
بعض هذه الأحاديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق
وكانت إذ ذاك أحكام الشريعة مستقرة من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها.
وحكى النووي عن بعضهم أنه قال: هي مجملة تحتاج إلى شرح
ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها قال: وهذا قول الحسن البصري.
وقال البخاري: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة
ومات على ذلك ذكره في كتاب اللباس. وذكر الشيخ أبو عمر بن الصلاح أنه يجوز أن
يكون ذلك أعني الاقتصار على كلمة الشهادة في سببية دخول الجنة اقتصارًا من بعض
الرواة لا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بدليل مجيئه تامًا في رواية
غيره ويجوز أن يكون اختصارًا من الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيما خاطب به الكفار
عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم باللَّه تعالى مصحوبًا بسائر ما يتوقف عليه
الإسلام ومستلزمًا له والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي وقال لا
إله إلا اللَّه وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه.
قال النووي: ويمكن الجمع بين الأدلة بأن يقال المراد باستحقاقه
الجنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما معجلًا معافى وإما مؤخرًا بعد عقابه
والمراد بتحريم النار تحريم الخلود.
وحكي ذلك عن القاضي عياض وقال: إنه في نهاية الحسن ولا
بد من المصير إلى التأويل لما ورد في نصوص الكتاب والسنة بذكر كثير من الواجبات
الشرعية والتصريح بأن تركها موجب للنار. وكذلك ورود النصوص بذكر كثير من
المحرمات وتوعد فاعلها بالنار.
وأما الأحاديث التي أوردها المصنف في تأييد ما ذكره من
التأويل فالنزاع في إطلاق الكفر على تارك الصلاة وقد عرفناك أن سبب الوقوع في مضيق
التأويل توهم الملازمة بين الكفر وعدم المغفرة وليست بكلية كما عرفت وانتفاء
كليتها يريحك من تأويل ما ورد في كثير من الأحاديث. منها ما ذكره المصنف.
ومنها ما ثبت في الصحيح بلفظ: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)
وحديث (أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم) وحديث (أصبح من
عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل اللَّه ورحمته فذلك مؤمن بي كافر
بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب) وحديث
(من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها) وكل هذه الأحاديث في الصحيح. وقد ورد من
هذا الجنس أشياء كثيرة ونقول من سماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كافرًا سميناه كافرًا ولا نزيد على هذا المقدار ولا نتأول بشيء منها لعدم الملجئ
إلى ذلك.
باب أمر
الصبي بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: مروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم
عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أخرجه الحاكم من حديثه أيضًا والترمذي والدارقطني
من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده بنحوه ولم يذكر
التفرقة.
وفي الباب عن أبي رافع عند البزار بلفظ قال: (وجدنا
في صحيفة في قراب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد وفاته فيها مكتوب بسم
اللَّه الرحمن الرحيم وفرقوا بين الغلمان والجواري والأخوة والأخوات لسبع سنين
واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا أظنه تسع سنين).
وعن معاذ بن عبد اللَّه بن خبيب الجهني أنه قال لامرأته
وفي رواية لامرأة: (متى يصلي الصبي فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال: إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة)
أخرجه أبو داود. قال ابن القطان: لا نعرف هذه المرأة ولا الرجل الذي روت
عنه. وقد رواه الطبراني من هذا الوجه فقال: عن أبي معاذ بن عبد اللَّه بن خبيب
عن أبيه به قال ابن صاعد: إسناده حسن غريب.
وفي الباب عن أبي هريرة رواه العقيلي وأنس عند الطبراني
بلفظ: (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لثلاث عشرة) وفي إسناده داود بن
المحبر وهو متروك وقد تفرد به.
والحديث يدل على وجوب أمر الصبيان بالصلاة إذا بلغوا سبع
سنين وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا والتفريق بينهم في المضاجع لعشر سنين إذا جعل
التفريق معطوفًا على قوله واضربوهم أو لسبع سنين إذا جعل معطوفًا على قوله
مروهم. ويؤيد هذا الوجه حديث أبي رافع المذكور.
وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب إجبار ابن العشر على الولي
وشرط الصلاة الذي لا تتم إلا به حكمه حكمها ولا فرق بين الذكر والأنثى والزوجة
وغيرها.
وقال في الوافي والمؤيد باللَّه في أحد قوليه: إن ذلك
مستحب فقط وحملوا الأمر على الندب ولكنه إن صح ذلك في قوله مروهم لم يصح في قوله
واضربوهم لأن الضرب إيلام للغير وهو لا يباح للأمر المندوب والاعتراض بأن عدم
تكليف الصبي يمنع من حمل الأمر على حقيقته لأن الإخبار إنما يكون على فعل واجب أو
ترك محرم وليست الصلاة بواجبة على الصبي ولا تركها محظور عليه مدفوع بأن ذلك إنما
يلزم لو اتحد المحل وهو هنا مختلف فإن محل الوجوب الولي ومحل عدمه ابن العشر ولا
يلزم من عدم الوجوب على الصغير عدمه على الولي.
2 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها: (عن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي
حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل).
رواه أحمد ومثله من رواية علي له ولأبي داود والترمذي
وقال: حديث حسن.
الحديث أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود وابن ماجه وابن
حبان والحاكم من حديث عائشة. قال يحيى بن معين: ليس يرويه إلا حماد بن سلمة عن
حماد بن أبي سليمان يعني عن إبراهيم عن الأسود عنها. وأخرجه أيضًا النسائي
والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة من حديث علي عليه السلام. قال
البيهقي: تفرد برفعه جرير بن حازم قال الدارقطني في العلل: وتفرد به عن جرير
عبد اللَّه بن وهب وخالفه ابن فضيل ووكيع فروياه عن الأعمش موقوفًا ورواه عطاء بن
السائب عن أبي ظبيان عن علي عليه السلام وعمر مرفوعًا. قال الحافظ: وقول ابن
فضيل ووكيع أشبه بالصواب.
ورواه أبو داود من حديث أبي الضحى عن علي عليه السلام
ولكن قال أبو زرعة: حديثه عن علي مرسل.
ورواه ابن ماجه من حديث القاسم بن يزيد عن علي عليه
السلام وهو مرسل أيضًا كما قال أبو زرعة. ورواه الترمذي من حديث الحسن البصري عن
علي قال أبو زرعة: لم يسمع الحسن من علي شيئًا. وروى الطبراني من طريق برد بن
سنان عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني قال: أخبرني غير واحد من أصحاب النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه. قال الحافظ: وفي
إسناده مقال وبرد مختلف فيه. وروى أيضًا من طريق مجاهد عن ابن عباس قال:
وإسناده ضعيف.
والحديث يدل على عدم تكليف الصبي والمجنون والنائم ما
داموا متصفين بتلك الأوصاف. قال ابن حجر في التلخيص حاكيًا عن ابن حبان: إن
الرفع مجاز عن عدم التكليف لأنه يكتب له فعل الخير انتهى. وهذا في الصبي ظاهر
وأما في المجنون فلا تتصف أفعاله بخير ولا شر إذ لا قصد له والموجود منه من صور
الأفعال لا حكم له شرعًا وأما في النائم ففيه بعد لأن قصده منتف أيضًا فلا حكم لما
صدر منه من الأفعال حال نومه. وللناس كلام في تكليف الصبي بجميع الأحكام أو
ببعضها ليس هذا محل بسطه وكذلك النائم.
//باب أن
الكافر إذا أسلم لم يقض الصلاة
1 - عن عمرو بن العاص: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: الإسلام يجب ما قبله).
رواه أحمد.
الحديث أخرجه أيضًا الطبراني والبيهقي من حديثه وابن سعد
من حديث جبير بن مطعم: وأخرج مسلم في صحيحه معناه من حديث عمر وأيضًا بلفظ:
(أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج
يهدم ما كان قبله) وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث عبد اللَّه بن مسعود قال: (قلنا
يا رسول اللَّه أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ
بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر) فهذا مقيد والحديث
الأول مطلق وحمل المطلق على المقيد واجب فهدم الإسلام ما كان قبله مشروط
بالإحسان.
قوله (يجب ما قبله) أي يقطعه والمراد أنه يذهب أثر
المعاصي التي قارفها حال كفره وأما الطاعات التي أسلفها قبل إسلامه فلا يجبها
لحديث حكيم بن حزام عند مسلم وغيره: (أنه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم: أرأيت أمورًا كنت أثخنت بها في الجاهلية هل لي فيها من شيء فقال له
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير).
وقد قال المازري: إنه لا يصح تقرب الكافر فلا يثاب على
العمل الصالح الصادر منه حال شركه لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفًا بمن تقرب
إليه والكافر ليس كذلك وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال.
قال في الفتح: واستضعف ذلك النووي فقال: الصواب الذي
عليه المحققون بل نقل بعضهم الإجماع فيه أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصدقة
وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له.
أبواب
المواقيت
المواقيت جمع ميقات وهو القدر المحدود للفعل من الزمان
والمكان
باب وقت
الظهر
1 - عن جابر بن عبد اللَّه: (أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال له: قم فصله فصلى الظهر حين زالت
الشمس ثم جاءه العصر فقال: قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم جاءه
المغرب فقال: قم فصله فصلى المغرب حين وجبت الشمس ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله
فصلى العشاء حين غاب الشفق ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله فصلى الفجر حين برق
الفجر أو قال سطع الفجر ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله فصلى الظهر حين صار
ظل كل شيء مثله ثم جاءه العصر فقال: قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه
ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال
ثلث الليل فصلى العشاء ثم جاء حين أسفر جدًا فقال: قم فصله فصلى الفجر ثم قال:
ما بين هذين الوقتين وقت).
رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه. وقال البخاري:
هو أصح شيء في المواقيت.
2 - وللترمذي عن ابن عباس: (أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم قال: أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين) فذكر نحو حديث
جابر إلا أنه قال فيه: (وصلى المرة الثانية حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر
بالأمس) وقال فيه: (ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل) وفيه:
(ثم قال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين).
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
أما حديث جابر فأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم وروى
الترمذي في سننه عن البخاري أنه أصح شيء في الباب كما قال المصنف رحمه اللَّه.
وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن
خزيمة والدارقطني والحاكم وفي إسناده ثلاثة مختلف فيهم أولهم عبد الرحمن بن أبي
الزناد كان ابن مهدي لا يحدث عنه. وقال أحمد: مضطرب الحديث وقال النسائي:
ضعيف وقال يحيى بن معين وأبو حاتم: لا يحتج به وقال الشافعي: ضعيف وما حدث
بالمدينة أصح مما حدث ببغداد وقال ابن عدي: بعض ما يرويه لا يتابع عليه وقد وثقه
مالك واستشهد البخاري بحديثه عن موسى بن عقبة في باب التطوع بعد المكتوبة وفي حديث
(لا تمنوا لقاء العدو).
والثاني شيخه عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن
عياش ابن أبي ربيعة قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن نمير: لا أقدم على ترك
حديثه وقال فيه ابن معين: صالح وقال أبو حاتم: شيخ وقال ابن سعد: ثقة وقال
ابن حبان: كان من أهل العلم ولكنه قد توبع في هذا الحديث فأخرجه عبد الرزاق عن
العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس بنحوه. قال ابن دقيق
العيد: هي متابعة حسنة.
والثالث حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف قال ابن
سعد: كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه.
وحديث ابن عباس هذا قد صححه ابن عبد البر وأبو بكر ابن
العربي قال ابن عبد البر: إن الكلام في إسناده لا وجه له وأخرجه من طريق سفيان
عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش فسلمت طريقه من التضعيف بعبد الرحمن بن أبي
الزناد. وكذلك أخرجه من هذا الوجه أبو داود وابن خزيمة قال أبو عمر: وذكره عبد
الرزاق عن عمر بن نافع وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحارث بإسناده وذكره أيضًا
عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس.
وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي بإسناد حسن
وصححه ابن السكن والحاكم وحسنه الترمذي ولكن فيه: (إن للمغرب وقتين) ونقل عن
البخاري أنه خطأ. ورواه الحاكم من طريق أخرى وقال: صحيح الإسناد. وعن بريدة عند
الترمذي أيضًا وصححه. وعن أبي موسى عند مسلم وأبي داود والنسائي وأبي عوانة وأبي
نعيم قال الترمذي في كتاب العلل: إنه حسنه البخاري. وعن أبي مسعود عند مالك في
الموطأ وإسحاق بن راهويه والبيهقي في الدلائل وأصله في الصحيحين من غير تفصيل
وفصله أبو داود. وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد في مسنده والطحاوي وعن عمرو بن
حزم رواه إسحاق بن راهويه.
وعن البراء ذكره ابن أبي خيثمة. وعن أنس عند الدارقطني
وابن السكن في صحيحه والإسماعيلي في معجمه وأشار إليه الترمذي ورواه عنه النسائي
بنحوه وأبو أحمد الحاكم في الكنى. وعن ابن عمر عند الدارقطني قال الحافظ:
بإسناد حسن لكن فيه عنعنة ابن إسحاق. ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق أخرى فيها
محبوب بن الجهم وهو ضعيف. وعن مجمع بن جارية عند الحاكم.
قوله في الحديث (قم فصله) الهاء هاء السكت.
قوله (حين وجبت الشمس) الوجوب السقوط والمراد سقوطها
للغروب.
وقوله (زالت الشمس) أي مالت إلى جهة الغرب.
وقوله (حين صار كل شيء مثله) الظل الستر ومنه قولهم
أنا في ظلك وظل الليل سواده لأنه يستر كل شيء وظل الشمس ما ستر به الشخوص من
مسقطها.
قال ابن عبد البر: وكانت إمامة جبريل بالنبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء وأول صلاة أديت كذلك الظهر
على المشهور قيل الصحيح كما ثبت من حديث ابن عباس عند الدارقطني.
قال الحافظ: والصحيح خلافه وذكر ابن أبي خيثمة عن
الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة ففزع الناس
فاجتمعوا إلى نبيهم فصلى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبريل محمد أو يؤم محمد الناس
لا يسمعهم فيهن قراءة.
وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره:
لما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الليلة التي أسري به فيها لم يرعه
إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس ولذلك سميت الأولى فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة
فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي وصلى النبي بالناس وطول الركعتين الأوليتين ثم قصر
الباقيتين.
وسيأتي للمصنف وغيره في شرح حديث أبي موسى أن صلاة جبريل
كانت بمكة مقتصرين على ذلك.
قال الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل
الغروب وصلاة قبل طلوع الشمس. وقال أبو عمر: قال جماعة من أهل العلم إن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به
من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات ولا لوقت محصور.
وكان صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وقامه معه
المسلمون نحوًا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل اللَّه التوبة عنهم والتخفيف في ذلك
ونسخه وحطه فضلًا منه ورحمة فلم يبق في الصلاة فريضة إلا الخمس.
والحديث يدل على أن للصلوات وقتين وقتين إلا المغرب
وسيأتي الكلام على ذلك. وعلى أن الصلاة لها أوقات مخصوصة لا تجزئ قبلها بالإجماع
وعلى أن ابتداء وقت الظهر الزوال ولا خلاف في ذلك يعتد به وآخره مصير ظل الشيء
مثله. واختلف العلماء هل يخرج وقت الظهر بمصير ظل الشيء مثله أم لا فذهب الهادي
ومالك وطائفة من العلماء أنه يدخل وقت العصر ولا يخرج وقت الظهر وقالوا يبقى بعد
ذلك قدر أربع ركعات صالحًا للظهر والعصر أداء.
قال النووي في شرح مسلم: واحتجوا بقوله صلى اللَّه
عليه وسلم (فصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى العصر في
اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله) وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات قال:
وذهب الشافعي والأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج
وقت الظهر بمصير ظل كل شيء مثله غير الظل الذي يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا
دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر. واحتجوا بحديث ابن عمرو بن العاص عند
مسلم مرفوعًا بلفظ: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر
العصر) الحديث قال: وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل
كل شيء مثله وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله فلا اشتراك بينهما
قال: وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر
وقت الظهر مجهولًا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ
منها وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر
الوقت فانتظمت الأحاديث على اتفاق. ويؤيد هذا أن إثبات ما عدا الأوقات الخمسة
دعوى مفتقرة إلى دليل خالص عن شوائب المعارضة فالتوقف على المتيقن هو الواجب حتى
يقوم ما يلجئ إلى المصير إلى الزيادة عليها.
وفي الحديث أيضًا ذكر بقية أوقات الصلوات وسيعقد المصنف
لكل واحد منها بابًا وسنتكلم على كل واحد منها في بابه إن شاء اللَّه تعالى.
باب
تعجيلها وتأخيرها في شدة الحر
1 - عن جابر بن سمرة قال: (كان النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس).
رواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود.
وفي الباب أيضًا عن أنس عند البخاري ومسلم والنسائي
والترمذي وقال: صحيح وعن خباب عند الشيخين وعن أبي بزرة عندهما أيضًا. وعن ابن
مسعود عند ابن ماجه وفيه زيد بن جبيرة قال أبو حاتم: ضعيف وقال البخاري: منكر الحديث.
وعن زيد بن ثابت أشار إليه الترمذي. وعن أم سلمة عند الترمذي أيضًا.
قوله (دحضت الشمس) هو بفتح الدال والحاء المهملتين
وبعدها ضاد معجمة أي زالت.
والحديث يدل على استحباب تقديمها وإليه ذهب الهادي
والقاسم والشافعي والجمهور للأحاديث الواردة في أفضلية أول الوقت وقد خصه الجمهور
بما عدا أيام شدة الحر وقالوا يستحب الإبراد فيها إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج
وسيأتي تحقيق ذلك.
2 - وعن أنس قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم يصلي الظهر في أيام الشتاء وما ندري أما ذهب من النهار أكثر أو ما بقي
منه).
رواه أحمد.
3 - وعن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى اللَّه
عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل).
رواه النسائي. وللبخاري نحوه.
4 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم).
رواه الجماعة.
حديث أنس الأول أخرجه أيضًا عبد الرزاق وفي الباب عن ابن
عمر عند البخاري وابن ماجه وعن أبي موسى عند النسائي وعن عائشة عند ابن خزيمة وعن
المغيرة عند أحمد وابن ماجه وابن حبان وفي رواية للخلال (وكان آخر الأمرين من
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الإبراد) وعن أبي سعيد عند البخاري وعن عمرو
بن عبسة عند الطبراني وعن صفوان عند ابن أبي شيبة والحاكم والبغوي وعن ابن عباس
عند البزار وفيه عمرو بن صهبان وهو ضعيف وعن عبد الرحمن بن جارية عند الطبراني وعن
عبد الرحمن بن علقمة عند أبي نعيم.
قوله (فأبردوا بالصلاة) أي أخروها عن ذلك الوقت
وادخلوا بها في وقت الإبراد وهو الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر ويوجد فيه
برودة جهنم يقال أبرد الرجل أي صار في برد النهار. وفيح جهنم شدة حرها وشدة
غليانها. قال القاضي عياض: اختلف العلماء في معناه فقال بعضهم هو على ظاهره
وقيل بل هو على وجه التشبيه والاستعارة وتقديره أن شدة الحر تشبه نار جهنم فاحذروه
واجتنبوا ضرره قال: والأول أظهر. وقال النووي: هو الصواب لأنه ظاهر الحديث
ولا مانع من حمله على حقيقته فوجب الحكم بأنه على ظاهره انتهى.
ويدل عليه حديث (أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها
بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف) وهو في الصحيح وحديث (إن لجهنم نفسين)
وهو كذلك.
والأحاديث تدل على مشروعية الإبراد والأمر محمول على
الاستحباب وقيل على الوجوب حكى ذلك القاضي عياض وهو المعنى الحقيقي له. وذهب إلى
الأول جماهير العلماء لكنهم خصوا ذلك بأيام شدة الحر كما يشعر بذلك التعليل بقوله
(فإن شدة الحر من فيح جهنم) ولحديث أنس المذكور في الباب.
وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين الجماعة والمنفرد. وقال
أكثر المالكية: الأفضل للمنفرد التعجيل والحق عدم الفرق لأن التأذي بالحر الذي
يتسبب عنه ذهاب الخشوع يستوي فيه المنفرد وغيره. وخصه الشافعي بالبلد الحار وقيد
الجماعة بما إذا كانوا ينتابون المسجد من مكان بعيد لا إذا كانوا مجتمعين أو كانوا
يمشون في ظل فالأفضل التعجيل.
وظاهر الأحاديث عدم الفرق وقد ذهب إلى الأخذ بهذا الظاهر
أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر ولكن التعليل بقوله (فإن شدة الحر) يدل على
ما ذكره من التقييد بالبلد الحار.
وذهب الهادي والقاسم وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل
مطلقًا وتمسكوا بحديث جابر بن سمرة المذكور في أول الباب وسائر الروايات المذكورة
هنالك وبأحاديث أفضلية أول الوقت على العموم كحديث أبي ذر عند البخاري ومسلم
وغيرهما قال: (سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أي العمل أحب إلى اللَّه
قال: الصلاة على وقتها) وبحديث خباب عند مسلم قال: (شكونا إلى رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي لم يعذرنا
ولم يزل شكوانا) وزاد ابن المنذر والبيهقي: (وقال: إذا زالت الشمس
فصلوا) وتأولوا حديث الإبراد بأن معناه صلوا أول الوقت أخذًا من برد النهار وهو
أوله وهو تعسف يرده قوله (فإن شدة الحر من فيح جهنم) وقوله (فإذا اشتد الحر
فأبردوا بالصلاة) ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أول
الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين
مطلق ومقيد. وأجيب عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوي: منسوخ قال
الطحاوي: ويدل عليه حديث المغيرة (كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا أبردوا) فبين
أن الإبراد كان بعد التهجير وقال آخرون: إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيرًا
زائدًا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه
ويتناقص الحر.
وحمل بعضهم حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئًا وحديث
خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفر الشمس فلذلك رخص في
الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية
الخلال السابقة عن المغيرة بلفظ: (كان آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم الإبراد) وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعده البخاري
محفوظًا من أعظم الأدلة الدالة على النسخ كما قاله من قدمنا ولو نسلم جهل التاريخ
وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع
الأمهات بطرق متعددة وحديث خباب في مسلم فقط ولا شك أن المتفق عليه مقدم وكذا ما
جاء من طرق.
5 - وعن أبي ذر قال: (كنا مع النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم: أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد حتى رأينا فيء التلول فقال النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة).
متفق عليه.
قوله (فيء التلول) قال ابن سيده: الفيء ما كان
شمسًا فنسخه الظل والجمع أفياء وفيوء وفاء الفيء فيئًا تحول وتفيأ فيه تظلل. قال
ابن قتيبة: يتوهم الناس أن الظل والفيء بمعنى وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية
ومن أول النهار إلى آخره وأما الفيء فلا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما قبل
الزوال وإنما قيل لما بعد الزوال فيء لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع والفيء
الرجوع ونسبه النووي في شرح مسلم إلى أهل اللغة.
(والتلول)
جمع تل وهو الربوة من التراب المجتمع والمراد أنه أخر تأخيرًا كثيرًا حتى صار
للتلول فيء وهي منبطحة لا يصير لها فيء في العادة إلا بعد زوال الشمس بكثير.
الحديث يدل على مشروعية الإبراد وقد تقدم الكلام عليه
مستوفى. قال المصنف رحمه اللَّه: وفيه دليل على أن الإبراد أولى وإن لم
ينتابوا المسجد من بعد لأنه أمر به مع اجتماعهم معه انتهى. أشار رحمه اللَّه
بهذا إلى رد ما قاله الشافعي وقد قدمنا حكاية ذلك عنه.
=========
باب أول وقت العصر وآخره في الاختيار والضرورة
قد سبق في حديث ابن عباس وجابر في باب وقت الظهر.
1 - وعن عبد اللَّه بن عمرو قال: (قال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم: وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما
لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل
ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس).
رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود. وفي رواية
لمسلم: (ووقت الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول) وفيه: (ووقت العصر ما
لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول).
قوله (ثور الشفق) هو بالثاء المثلثة أي ثورانه
وانتشاره ومعظمه. وفي القاموس إنه حمرة الشفق الثائرة فيه.
قوله (قرن الشمس) هو ناحيتها أو أعلاها أو أول
شعاعها قاله في القاموس.
وقوله (ويسقط قرنها الأول) المراد به الناحية كما
قاله النووي.
والحديث فيه ذكر أوقات الصلوات الخمس وقد تقدم الكلام في
الظهر وسيأتي الكلام على وقت المغرب والعشاء والفجر كل في بابه.
وأما وقت العصر فالحديث يدل على امتداد وقته إلى اصفرار
الشمس كما في الرواية الأولى من حديث الباب إلى سقوط قرنها أي غروبه كما في
الرواية الثانية منه.
وحديث (من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد
أدرك العصر) يدل على أن إدراك بعضها في الوقت مجزئ وإلى هذا ذهب الجمهور وقال أبو
حنيفة: آخره الاصفرار وقال الاصطخري: آخره المثلان وبعدها قضاء. والأحاديث
ترد عليهم ولكنه استدل الاصطخري بحديث جبريل السابق وفيه أنه (صلى العصر اليوم
الأول عند مصير ظل الشيء مثله واليوم الثاني عند مصير ظل الشيء مثليه) وقال بعد
ذلك: (الوقت ما بين هذين الوقتين).
وقد أجيب عن ذلك بحمل حديث جبريل على بيان وقت الاختيار
لا لاستيعاب وقت الاضطرار والجواز وهذا الحمل لا بد منه للجمع بين الأحاديث وهو
أولى من قول من قال إن هذه الأحاديث ناسخة لحديث جبريل لأن النسخ لا يصار إليه مع إمكان
الجمع وكذلك لا يصار إلى ترجيح. ويؤيد هذا الجمع حديث (تلك صلاة المنافق)
وسيأتي بعد هذا الحديث فمن كان معذورًا كان الوقت في حقه ممتدًا إلى الغروب ومن
كان غير معذور كان الوقت له إلى المثلين وما دامت الشمس بيضاء نقية فإن آخرها إلى
الاصفرار وما بعده كانت صلاته صلاة المنافق المذكورة في الحديث. وأما أول وقت
العصر فذهب العترة والجمهور إنه مصير ظل الشيء مثله لما تقدم في حديث جبريل وقال
الشافعي: الزيادة على المثل وقال أبو حنيفة: المثلان وهو فاسد ترده الأحاديث
الصحيحة.
قال النووي في شرح مسلم: قال أصحابنا للعصر خمسة أوقات
وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر: فأما وقت الفضيلة
فأول وقتها. ووقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه. ووقت الجواز إلى
الاصفرار. ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب. ووقت العذر وهو
وقت الظهر في حق من يجمع بين العصر والظهر لسفر أو مطر. ويكون العصر في هذه
الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء انتهى.
قال المصنف رحمه اللَّه: وفيه دليل على أن للمغرب
وقتين وأن الشفق الحمرة وأن وقت الظهر يعاقبه وقت العصر وأن تأخير العشاء إلى نصف
الليل جائز انتهى قوله وفيه دليل على أن للمغرب وقتين استدل على ذلك بقوله في
الحديث (ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق) قال النووي في شرح مسلم: وذهب
المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز
ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح أو
الصواب الذي لا يجوز غيره.
والجواب عن حديث جبريل حين صلى المغرب في اليومين في وقت
واحد من ثلاثة أوجه:
أحدها أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت
الجواز وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر. والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة
وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في آخر الأمر بالمدينة
فوجب اعتمادها. والثالث أن هذه الأحاديث أصح إسنادًا من حديث بيان جبريل فوجب تقديمها
انتهى.
وقوله (وأن الشفق الحمرة) قد أخرج ابن عساكر في
غرائب مالك والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: (الشفق الحمرة فإذا
غاب الشفق وجبت الصلاة) ولكنه صحح البيهقي وقفه وقد ذكر نحوه الحاكم وسيذكره
المصنف في باب وقت صلاة العشاء.
وقوله (وأن تأخير العشاء إلى نصف الليل) الخ سيأتي
تحقيق ذلك في باب وقت صلاة العشاء.
2 - وعن أنس قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يقول: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني
الشيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر اللَّه إلا قليلًا).
رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.
الحديث رواه أبو داود بتكرير قوله تلك صلاة المنافق.
قوله (بين قرني الشيطان) اختلفوا فيه فقيل هو على
حقيقته وظاهر لفظه والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذلك عند طلوعها لأن
الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له وتخيل
لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له. وقيل هو على المجاز والمراد بقرنه وقرنيه علوه
وارتفاعه وسلطانه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس قاله النووي. وقال
الخطابي: هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها
كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه.
قوله (فنقرها) المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر
الطائر قال الشاعر:
لا أذوق النوم إلا غرارًا * مثل حسو الطير ماء الثماد
وفي الحديث دليل على كراهة تأخير الصلاة إلى وقت
الاصفرار والتصريح بذم من أخر صلاة العصر بلا عذر والحكم على صلاته بأنها صلاة
المنافق ولا أردع لذوي الإيمان وأفزع لقلوب أهل العرفان من هذا.
وقوله (يجلس يرقب الشمس) فيه إشارة إلى أن الذم
متوجه إلى من لا عذر له.
وقوله (فنقرها أربعًا) فيه تصريح بذم من صلى مسرعًا
بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار وقد نقل بعضهم الاتفاق على عدم جواز
التأخير إلى هذا الوقت لمن لا عذر له وهذا من أوضح الأدلة القاضية بصحة الجمع بين
الأحاديث الذي ذكرناه في الحديث الذي قبل هذا.
3 - وعن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: (وأتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئًا وأمر بلالًا
فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا ثم أمره فأقام الظهر
حين زالت الشمس والقائل يقول انتصف النهار أو لم وكان أعلم منهم ثم أمره فأقام
العصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام المغرب حين وقبت الشمس ثم أمره فأقام العشاء
حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول طلعت الشمس أو
كادت وأخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس ثم أخر العصر فانصرف منها
والقائل يقول احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق) وفي لفظ:
(فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وأخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا
السائل فقال الوقت فيما بين هذين).
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وروى الجماعة إلا
البخاري نحوه من حديث بريدة الأسلمي.
حديث بريدة صححه الترمذي ولفظه: (أن رجلًا سأل رسول
صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن وقت الصلاة فقال: صل معنا هذين الوقتين فلما زالت
الشمس أمر بلالًا فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة
بيضاء نقية ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق
ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر
وأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل
أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال:
أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل: أنا يا رسول اللَّه قال: وقت صلاتكم بين
ما رأيتم).
قوله (أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه
شيئًا) أي لم يرد جوابًا ببيان الأوقات باللفظ بل قال له صل معنا لتعرف ذلك
ويحصل لك البيان بالفعل كما وقع في حديث بريدة أنه قال له (صل معنا هذين
اليومين) وليس المراد أنه لم يجب عليه بالقول ولا بالفعل كما هو الظاهر من حديث
أبي موسى لأن المعلوم من أحواله أنه كان يجيب من سأله عما يحتاج إليه فلا بد من
تأويل ما في حديث أبي موسى من قوله (فلم يرد عليه شيئًا) بما ذكرنا. وقد ذكر
معنى ذلك النووي.
قوله (انشق الفجر) أي طلع.
وقوله (والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا) بيان لذلك
الوقت.
قوله (وقبت الشمس) هو بقاف فباء موحدة فتاء مثناة
يقال وقبت الشمس وقبًا ووقوبًا غربت ذكر معناه في القاموس.
وفي الحديث بيان مواقيت الصلاة وفيه تأخير وقت العصر إلى
قريب احمرار الشمس وفيه أنه أخر العشاء حتى كان ثلث الليل. وفي حديث عبد اللَّه
بن عمرو السابق أنه أخرها إلى نصف الليل وهو بيان لآخر وقت الاختيار وسيأتي تحقيق ذلك.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وهذا الحديث يعني حديث الباب
في إثبات الوقتين للمغرب وجواز تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أولى من حديث جبريل
عليه السلام لأنه كان بمكة في أول الأمر وهذا متأخر ومتضمن زيادة فكان أولى وفيه
من العلم جواز تأخير البيان عن وقت السؤال انتهى. وهكذا صرح البيهقي والدارقطني
وغيرهما أن صلاة جبريل كانت بمكة وقصة المسألة بالمدينة وصرحوا بأن الوقت الآخر
لصلاة المغرب رخصة وقد ذكرنا طرفًا من ذلك في شرح حديث جبريل وفيه زيادة أن ذلك في
صبيحة ليلة الإسراء.
وقوله (الوقت فيما بين هذين الوقتين) ينفي بمفهومه وقتية
ما عداه ولكن حديث (من أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس ومن الفجر ركعة قبل
طلوع الشمس) وغيره منطوقات وهي أرجح من المفهوم ولا يصار إلى الترجيح مع إمكان
الجمع وقد أمكن بما عرفت في شرح حديث عبد اللَّه بن عمرو ولو صرت إلى الترجيح لكان
حديث أنس المذكور قبل هذا مانعًا من التمسك بتلك المنطوقات والمصير إلى الجمع لا
بد منه.
باب ما
جاء في تعجيلها وتأكيده مع الغيم
1 - عن أنس قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس
مرتفعة).
رواه الجماعة إلا الترمذي. وللبخاري وبعض العوالي من
المدينة على أربعة أميال أو نحوه. وكذلك لأحمد وأبي داود معنى ذلك.
قوله (فيذهب) في رواية لمسلم: (ثم يذهب الذاهب
إلى قبا) وفي رواية له أيضًا: (ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم
يصلون.
قوله (والشمس مرتفعة) حية قال الخطابي: حياتها
وجود حرها.
قال أبو داود في سننه بإسناده إلى خيثمة أنه قال:
حياتها أن تجد حرها.
قوله (إلى العوالي) هي القرى التي حول المدينة
أبعدها على ثمانية أميال من المدينة وأقربها ميلان وبعضها على ثلاثة أميال وبه
فسرها مالك وكذا في شرح مسلم للنووي.
والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة العصر أول وقتها
لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس لم تتغير بصفرة ونحوها
إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشيء مثله.
قال النووي: ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة
وهو دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من العترة وغيرهم القائلين بأن أول
وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وفيه رد لمذهب أبي حنيفة فإنه قال: إن وقت
العصر لا يدخل حتى يصير ظل كل شيء مثليه وقد تقدم ذكر ذلك.
2 - وعن أنس قال: (صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم العصر فأتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول اللَّه إنا نريد أن
ننحر جزورًا لنا وإنا نحب أن تحضرها قال: نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور
لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس).
رواه مسلم.
3 - وعن رافع بن خديج قال: (كنا نصلي العصر مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم ننحر الجزور فنقسم عشر قسم ثم نطبخ فنأكل
لحمه نضيجًا قبل مغيب الشمس).
متفق عليه.
قوله (ننحر جزورًا لنا) في القاموس الجزور البعير أو
خاص بالناقة المجزورة الجمع جزائر وجزر وجزرات.
والحديثان يدلان على مشروعية المبادرة بصلاة العصر فإن
نحر الجزور ثم قسمته ثم طبخه ثم أكله نضيجًا ثم الفراغ من ذلك قبل غروب الشمس من
أعظم المشعرات بالتبكير بصلاة العصر فهو من حجج الجمهور.
ومن ذلك حديث ابن عباس وجابر في صلاة جبريل وغير ذلك
وكلها ترد ما قاله أبو حنيفة وقد خالفه الناس في ذلك ومن جملة المخالفين له أصحابه
وقد تقدم ذكر مذهبه.
4 - وعن بريدة الأسلمي قال: (كنا مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في غزوة فقال: بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاته
صلاة العصر حبط عمله).
رواه أحمد وابن ماجه.
الحديث في سنن ابن ماجه رجاله رجال الصحيح ولكنه وهم فيه
الأوزاعي فجعل مكان أبي المليح أبا المهاجر.
وقد أخرجه أيضًا البخاري والنسائي عن أبي المليح عن
بريدة بنحوه والأمر بالتبكير تشهد له الأحاديث السابقة وأما كون فوت صلاة العصر
سببًا لإحباط العمل فقد أخرج البخاري في صحيحه (من ترك صلاة العصر حبط عمله)
وأما تقييد التبكير بالغيم فلأنه مظنة التباس الوقت فإذا وقع التراخي فربما خرج الوقت
أو اصفرت الشمس قبل فعل الصلاة ولهذه الزيادة ترجم المصنف الباب بقوله وتأكيده في
الغيم.
والحديث من الأدلة الدالة على استحباب التبكير لكن
مقيدًا بذلك القيد وعلى عظم ذنب من فاتته صلاة العصر وسيأتي لذلك مزيد بيان.
باب بيان
أنها الوسطى وما ورد في ذلك في غيرها
1 - عن علي عليه السلام: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال يوم الأحزاب: ملأ اللَّه
قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس).
متفق عليه. ولمسلم وأحمد وأبي داود: (شغلونا عن
الصلاة الوسطى صلاة العصر).
2 - وعن علي عليه السلام: (قال: كنا نراها الفجر
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هي صلاة العصر يعني صلاة الوسطى).
رواه عبد اللَّه بن أحمد في مسند أبيه.
هذه الرواية الأخيرة رواها ابن مهدي قال حدثنا سفيان عن
عاصم عن زر قال: قلت لعبيدة: سل عليًا عليه السلام عن الصلاة الوسطى فسأله
فقال: كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول يوم
الأحزاب (شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر) قال ابن سيد الناس: وقد روي ذلك
عنه من غير وجه.
والحديث يدل على أن الصلاة الوسطى هي العصر وقد اختلف
الناس في ذلك على أقوال بعد اتفاقهم على أنها آكد الصلوات:
- القول الأول - أنها العصر وإليه ذهب علي بن أبي طالب
عليه السلام وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأُبيَّ بن
كعب وسمرة بن جندب وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وعائشة وحفصة وأم سلمة وعبيدة السلماني
والحسن البصري وإبراهيم النخعي والكلبي وقتادة والضحاك ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد
وداود وابن المنذر نقله عن هؤلاء النووي وابن سيد الناس في شرح الترمذي وغيرهما
ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم. ورواه المهدي في البحر عن علي
عليه السلام والمؤيد باللَّه وأبي ثور وأبي حنيفة.
- القول الثاني - أنها الظهر نقله الواحدي عن زيد بن
ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة ونقله ابن المنذر عن عبد اللَّه بن
شداد ونقله المهدي في البحر عن علي عليه السلام والهادي والقاسم وأبي العباس وأبي
طالب وهو أيضًا مروي عن أبي حنيفة.
- القول الثالث - أنها الصبح وهو مذهب الشافعي صرح به في
كتبه ونقله النووي وابن سيد الناس عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن
عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك بن أنس وجمهور أصحاب الشافعي وقال
الماوردي من أصحاب الشافعي: إن مذهبه أنها العصر لصحة الأحاديث فيه قال: وإنما
نص على أنها الصبح لأنها لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه أتباع الحديث
ورواه أيضًا في البحر عن علي عليه السلام.
- القول الرابع - أنها المغرب وإليه ذهب قبيصة بن
ذؤيب.
- القول الخامس - أنها العشاء نسبه ابن سيد الناس وغيره
إلى البعض من العلماء وصرح المهدي في البحر بأنه مذهب الإمامية.
- القول السادس - أنها الجمعة في يوم الجمعة وفي سائر
الأيام الظهر حكاه ابن مقسم في تفسيره ونقله القاضي عياض عن البعض.
- القول السابع - أنها إحدى الخمس مبهمة رواه ابن سيد
الناس عن زيد بن ثابت والربيع بن خثيم وسعيد بن المسيب ونافع وشريح وبعض
العلماء.
- القول الثامن - أنها جميع الصلوات الخمس حكاه القاضي
والنووي ورواه ابن سيد الناس عن البعض.
- القول التاسع - أنها صلاتان العشاء والصبح ذكره ابن
مقسم في تفسيره أيضًا ونسبه إلى أبي الدرداء.
- القول العاشر - أنها الصبح والعصر ذهب إلى ذلك أبو بكر
الأبهري.
- القول الحادي عشر - أنها الجماعة حكى ذلك عن الإمام
أبي الحسن الماوردي.
- القول الثاني عشر - أنها صلاة الخوف ذكره الدمياطي
وقال حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم.
- القول الثالث عشر - أنها الوتر وإليه ذهب أبو الحسن
علي بن محمد السخاوي المقري.
- القول الرابع عشر - أنها صلاة عيد الأضحى ذكره ابن سيد
الناس في شرح الترمذي والدمياطي.
- القول الخامس عشر - أنها صلاة عيد الفطر حكاه
الدمياطي.
- القول السادس عشر - أنها الجمعة فقط ذكره النووي.
- القول السابع عشر - أنها صلاة الضحى رواه الدمياطي عن
بعض شيوخه ثم تردد في الرواية.
احتج أهل القول الأول بالأحاديث الصحيحة الصريحة المتفق
عليها ومنها حديث الباب وما بعده من الأحاديث المذكورة الآتية وهو المذهب الحق
الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته من أنصف من نفسه واطرح التقليد والعصبية
وجود النظر إلى الأدلة ولم يعتذر عن أدلة هذا القول أهل الأقوال الآخرة بشيء يعتد
به إلا حديث عائشة أنها أمرت أبا يونس يكتب لها مصحفًا الحديث سيأتي ويأتي الجواب
عن هذا الاعتذار.
وأما اعتذار من اعتذر عنه بأن الاعتبار بالوسطى من حيث
العدد فهو عذر بارد ونصب لنظر فاسد في مقابلة النصوص لأن الوسطى لا تتعين أن تكون
من حيث العدد لجواز أن تكون من حيث الفضل على أنه لو سلم أن المراد بها الوسطى من
حيث العدد لم يتعين بذلك غير العصر من سائر الصلوات إذ لا بد أن يتعين الابتداء
ليعرف الوسط ولا دليل على ذلك ولو فرضنا وجود دليل يرشد إلى الابتداء لم ينتهض
لمعارضة الأحاديث الصحيحة المتفق عليها المتضمنة لأخبار الصادق المصدوق أن الوسطى
هي العصر فكيف يليق بالمتدين أن يعول على مسلك النظر المبني على شفا جرف هار
ليتحصل له به معرفة الصلاة الوسطى وهذه أقوال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم تنادي ببيان ذلك.
واحتج أهل القول الثاني بأن الظهر متوسطة بين نهاريتين
وبأنها في وسط النهار ونصب هذا الدليل في مقابلة الأحاديث الصحيحة من الغرائب التي
لا تقع لمنصف ولا متيقظ واحتجوا أيضًا بقوله تعالى {أقم الصلاة طرفي النهار
وزلفًا من الليل} فلم يذكرها ثم أمر بها حيث قال {لدلوك الشمس} وأفردها في
الأمر بالمحافظة عليها بقوله {والصلاة الوسطى} وهذا الدليل أيضًا من السقوط
بمحل لا يجهل نعم أحسن ما يحتج به لهم حديث زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وسيأتيان وسنذكر
الجواب عليهما.
واحتج أهل القول الثالث بأن الصبح تأتي وقت مشقة بسبب
برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس وبورود الأخبار
الصحيحة في تأكيد أمرها فخصت بالمحافظة لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها وهذه
الحجة ليست بشيء ولكن الأولى الاحتجاج لهم بما رواه النسائي عن ابن عباس قال: (أدلج
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها
فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى) ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين
الأول أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج
وليس من قول ابن عباس ويحتمل أن يكون من قوله وقد أخرج عنه أبو نعيم أنه قال:
(الصلاة الوسطى صلاة العصر) وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق إلى
الأول فلا يعارضه. الوجه الثاني ما تقرر من القاعدة أن الاعتبار عند مخالفة
الراوي روايته بما روى لا بما رأى فقد روى عنه أحمد في مسنده قال: (قاتل رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عدوًا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها
فلما رأى ذلك قال اللَّهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارًا أو قبورهم
نارًا) وذكر أبو محمد بن الفرس في كتابه في أحكام القرآن أن ابن عباس قرأ
{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} صلاة العصر على البدل على أن ابن عباس لم
يرفع تلك المقالة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بل قالها من قبل نفسه
وقوله ليس بحجة.
واحتج أهل القول الرابع بأن المغرب سبقت عليها الظهر
والعصر وتأخرت عنها العشاء والصبح.
واحتج أهل القول الخامس بأنها العشاء بمثل ما احتج أهل
القول الرابع.
واحتج أهل القول السادس بأن الجمعة قد ورد الترغيب في
المحافظة عليها. قال النووي: وهذا ضعيف لأن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة
عليها إنما كان لأنها معرضة للضياع وهذا لا يليق بالجمعة فإن الناس يحافظون عليها
في العادة أكثر من غيرها لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها.
واحتج أهل القول السابع على أنها مبهمة بما روي أن رجلًا
سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال: حافظ على الصلوات تصبها فهي مخبوءة في
جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة وليلة القدر في ليالي شهر
رمضان والاسم الأعظم في جميع الأسماء والكبائر في جملة الذنوب. وهذا قول صحابي ليس
بحجة ولو فرض أن له حكم الرفع لم ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين وغيرهما.
واحتج أهل القول الثامن بأن ذلك أبعث على المحافظة عليها
أيضًا قال النووي: وهذا ضعيف أو غلط لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلًا ثم تجمله
وإنما تذكره مجملًا ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيهًا على فضيلته.
واحتج أهل القول التاسع بقوله صلى اللَّه عليه وسلم: (لو
يعلمون ما في العشاء والصبح لأتوهما ولو حبوًا) وقوله: (من صلى العشاء في
جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلاها مع الصبح في جماعة كان كقيام ليلة) وهذا
الاستدلال مع كونه لا يثبت المطلوب معارض بما ورد في العصر وغيرها من الترغيب
والترهيب.
واحتج أهل القول العاشر بمثل ما احتج به للتاسع ورد بمثل
ما ورد.
واحتج أهل القول الحادي عشر بما ورد من الترغيب في
المحافظة على الجماعة ورد بأن ذلك لا يستلزم كونها الوسطى وعورض بما ورد في سائر
الصلوات من الفرائض وغيرها.
واحتج أهل القول الثاني عشر بقول اللَّه تعالى عقيب قوله
{حافظوا على الصلوات} {فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا} وذكروا وجوهًا
للاستدلال كلها مردودة.
واحتج أهل القول الثالث عشر بأن المعطوف غير المعطوف
عليه فالصلاة الوسطى غير الصلوات الخمس وقد وردت الأحاديث بفضل الوتر فتعينت والنص
الصريح الصحيح يرده.
واحتج أهل القول الرابع عشر بمثل ما احتج به للذي قبله
ورد بمثل ما رد.
واحتج أهل القول الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر
بمثل ذلك ورد بالنص والمعارضة.
إذا تقرر لك هذا فاعلم أنه ليس في شيء من حجج هذه
الأقوال ما يعارض حجج القول الأول معارضة يعتد بها في الظاهر إلا ما سيأتي في
الكتاب من الاحتجاج لأهل القول الثاني وستعرف عدم صلاحيته للتمسك به.
3 - وعن ابن مسعود قال: (حبس المشركون رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ
اللَّه أجوافهم وقبورهم نارًا أو حشا اللَّه أجوافهم وقبورهم نارًا).
رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
4 - وعن ابن مسعود قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم صلاة الوسطى صلاة العصر).
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
5 - وعن سمرة بن جندب عن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم أنه قال: (الصلاة الوسطى صلاة العصر).
رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي رواية لأحمد: (أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها
لنا أنها صلاة العصر).
حديث ابن مسعود الثاني حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره وحديث
سمرة حسنه الترمذي في كتاب الصلاة من سننه وصححه في التفسير ولكنه من رواية الحسن
عن سمرة وقد اختلف في صحة سماعه منه فقال: شعبة لم يسمع منه شيئًا قيل سمع منه
حديث العقيقة.
وقال البخاري: قال علي بن المديني: سماع الحسن من
سمرة صحيح ومن أثبت مقدم على من نفى. ورواية أحمد ذكرها الحافظ ابن سيد الناس في
شرح الترمذي ولم يتكلم عليها وما في الصحيحين وغيرهما يشهد لها. وفي الباب عن
عمر عند النسائي والترمذي وقال: ليس بإسناده بأس.
وعن أبي هريرة عند الطحاوي والدمياطي وأشار إليه الترمذي
وعن أبي هاشم بن عتبة عند الطحاوي وأشار إليه الترمذي أيضًا وهذه الأحاديث مصرحة
بأن الصلاة الوسطى صلاة العصر فهي من حجج أهل القول الأول الذي أسلفناه وقد تقدم
تحقيق الكلام في ذلك.
قوله (عن صلاة العصر) هكذا وقع في صحيح البخاري
ومسلم وظاهره أنه لم يفت غيرها وفي الموطأ أنها الظهر والعصر وفي الترمذي والنسائي
بإسناد لا بأس به من حديث عبد اللَّه بن مسعود أنه قال: (شغل المشركون رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما
شاء اللَّه فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى
المغرب ثم أقام فصلى العشاء) ومثله أخرج أحمد والنسائي وأشار إليه الترمذي من
حديث أبي سعيد.
وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من رجح ما في الصحيحين
كابن العربي ومنهم من جمع بين الأحاديث في ذلك بأن الخندق كانت وقعته أيامًا فكان
ذلك كله في أوقات مختلفة في تلك الأيام وهذا أولى من الأول لأن حديث أبي سعيد رواه
الطحاوي عن المزني عن الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد
الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه وهذا إسناد صحيح جليل. وأيضًا لا يصار إلى
الترجيح مع إمكان الجمع على أن الزيادة مقبولة بالإجماع إذا وقعت غير منافية
للمزيد.
قوله (حتى احمرت الشمس أو اصفرت) وفي بعض روايات
الصحيح (حتى غابت) قيل أن ذلك كان قبل نزول صلاة الخوف قال العلماء: يحتمل
أنه أخرها نسيانًا لا عمدًا وكان السبب في النسيان الاشتغال بالعدو وكان هذا عذرًا
قبل نزول صلاة الخوف على حسب الأحوال وسيأتي البحث عن ذلك.
6 - وعن البراء بن عازب قال: (نزلت هذه الآية حافظوا
على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء اللَّه ثم نسخها اللَّه فنزلت حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل: هي إذن صلاة العصر فقال: قد أخبرتك كيف نزلت
وكيف نسخها اللَّه واللَّه أعلم).
رواه أحمد ومسلم.
أخرجه مسلم من طريق شقيق بن عقبة عن البراء وليس له في
صحيحه عن شقيق غير هذا الحديث وفيه متمسك لمن قال إن الصلاة الوسطى هي العصر
بقرينة اللفظ المنسوخ وإن لم يكن صريحًا في المطلوب لأنه لا يجب أن يكون معنى
اللفظ الناسخ معنى اللفظ المنسوخ وربما تمسك به من يرى أنها غير العصر قائلًا لو
كان المراد باللفظ الناسخ معنى اللفظ المنسوخ لم يكن للنسخ فائدة فالعدول إلى لفظ الوسطى
ليس إلا لقصد الإبهام ويجاب عنه بأنه أرشد إلى أن المراد بالناسخ المبهم نفس المنسوخ
المعين ما في الباب من الأدلة الصحيحة.
قال المصنف رحمه اللَّه: وهو دليل على كونها العصر
لأنه خصها ونص عليها في الأمر بالمحافظة ثم جاء الناسخ في التلاوة متيقنًا وهو في
المعنى مشكوك فيه فيستصحب المتيقن السابق وهكذا جاء عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم تعظيم أمر فواتها تخصيصًا فروى عبد اللَّه بن عمر: (أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)
رواه الجماعة انتهى:
قوله (أهله وماله) روي بنصب اللامين ورفعهما والنصب
هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان ومن رفع فعلى ما لم يسم
فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك بن أنس.
وأما على رواية النصب فقال الخطابي وغيره: معناه نقص
هو أهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله
وماله. وقال أبو عمر ابن عبد البر: معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب
بأهله وماله إصابة يطلب بها وترًا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غم
المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر.
7 - وعن أبي يونس مولى عائشة أنه قال: (أمرتني عائشة
أن أكتب لها مصحفًا فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى فلما بلغتها آذنتها فأملت عليَّ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وقوموا للَّه قانتين قالت عائشة: سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم).
رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.
وفي الباب عن حفصة عند مالك في الموطأ قال عمرو بن رافع
أنه: (كان يكتب لها مصحفًا فقالت له: إذا انتهيت إلى حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى فآذني فآذنتها فقالت: اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا
للَّه قانتين).
استدل بالحديث من قال إن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر
لأن العطف يقتضي المغايرة وهو راجع إلى الخلاف الثابت في الأصول في القراءة الشاذة
هل تنزل منزلة أخبار الآحاد فتكون حجة كما ذهبت إليه الحنفية وغيرهم أم لا تكون حجة
لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر كما ذهبت
إلى ذلك الشافعية والراجح الأول.
وقد غلط من استدل من الشافعية بحديث عائشة وحفصة على أن
هذه الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر لما عرفت من أن مذهبهم في الأصول يأبى هذا
الاستدلال وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث من طرف القائلين بأنها العصر بوجهين:
الأول أن تكون الواو زائدة في ذلك على حد زيادتها في
قوله تعالى {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}
وقوله {وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست} وقوله {ولكن رسول اللَّه وخاتم
النبيين} وقوله {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللَّه} حكى عن الخليل أنه
قال: يصدون والواو مقحمة زائدة. ومثله في القرآن كثير ومنه قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ** بنا بطن خبت ذي حقاق
عقنقل
وقول الآخر:
فإذا وذاك يا كبيشة لم يكن ** إلا كلمة حالم بخيال
الثاني أن لا تكون زائدة وتكون من باب عطف إحدى الصفتين
على الأخرى وهما لشيء واحد نحو قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم
وقريب منه قول الآخر:
أكر عليهم دعلجًا ولبانة ** إذا ما اشتكى وقع الرماح
تحمحمًا
فعطف لبانة وهو صدره على دعلج وهو اسم فرسه ومعلوم أن
الفرس لا يكر إلا ومعه صدره لما كان الصدر يلتقي به ويقع به المصادمة:
وقال مكي بن أبي طالب في تفسيره: وليست هذه الزيادة
توجب أن تكون الوسطى غير العصر لأن سيبويه حكى مررت بأخيك وصاحبك والصاحب هو الأخ
فكذلك الوسطى هي العصر وإن عطفت بالواو انتهى.
وتغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى في جواز العطف ومنه
قول أبي داود الأيادي:
سلط الموت والمنون عليهم ** فلهم في صد المقابر هام
وقول عدي بن زيد العبادي:
وقدمت الأديم لراهشيه * فألفى قولها كذبًا ومينًا
وقول عنترة:
حييت من طلل تقادم عهده * أقوى وأفقر بعد أم الهيثم
وقول الآخر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند ** وهند أتى من دونها النأي
والبعد
وهذا التأويل لا بد منه لوقوع هذه القراءة المحتملة في
مقابلة تلك النصوص الصحيحة الصريحة. وقد روي عن السائب بن يزيد أنه تلا هذه
الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر} وهذا التأويل المذكور
يجري في حديث عائشة وحفصة ويختص حديث حفصة بما روى يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن عمرو بن رافع قال: (كان مكتوبًا في مصحف حفصة بنت عمر حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) ذكر هذه الرواية والرواية السابقة عن
السائب ابن سيد الناس في شرح الترمذي.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد سياق حديث عائشة ما
لفظه: وهذا يتوجه منه كون الوسطى العصر لأن تسميتها في الحث على المحافظة دليل
تأكدها وتكون الواو فيه زائدة كقوله {آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} أي
ضياء وقوله {فلما أسلما وتله للجبين وناديناه} أي ناديناه إلى نظائرها انتهى.
8 - وعن زيد بن ثابت قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت
{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها
صلاتين).
رواه أحمد وأبو داود.
9 - وعن أسامة بن زيد في الصلاة الوسطى قال: هي الظهر
(أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ولا يكون
وراءه إلا الصف والصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فأنزل اللَّه حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للَّه قانتين).
رواه أحمد.
الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه البخاري
في التاريخ والنسائي بإسناد رجاله ثقات. وأخرج نحو ذلك في الموطأ والترمذي عن
زيد أيضًا.
والحديث الثاني أخرجه أيضًا النسائي وابن منيع وابن جرير
والضياء في المختارة ورجال إسناده في سنن النسائي ثقات.
قوله (الهجير) قال في القاموس: الهجيرة والهجير
والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر لأن
الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا لشدة الحر.
والأثران استدل بهما من قال إن الصلاة الوسطى هي الظهر
وأنت خبير بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون
الآية نازلة فيها غاية ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر ومثل هذا لا
يعارض به تلك النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة
قد قدمنا لك منها جملة نافعة وعلى فرض أن قول هذين الصحابين تصريح ببيان سبب
النزول لا إبداء مناسبة فلا يشك من له أدنى إلمام بعلوم الاستدلال أن ذلك لا ينتهض
لمعارضة ما سلف على أنه يعارض المروي عن زيد بن ثابت هذا ما قدمنا عنه في شرح حديث
علي فراجعه ولعلك إذا أمعنت النظر فيما حررناه في هذا الباب لا تشك بعده أن الوسطى
هي العصر.
فكن رجلًا رجله في الثرى ** وهامة همته في الثريا
قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الأثرين ما لفظه:
وقد احتج بهما من يرى تعجيل الظهر في شدة الحر انتهى.
=====
باب وقت صلاة المغرب
1 - عن سلمة بن الأكوع: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب).
رواه الجماعة إلا النسائي.
وفي الباب عن جابر عند أحمد وعن زيد بن خالد عند
الطبراني وعن أنس عند أحمد وأبي داود وعن رافع بن خديج عند البخاري ومسلم وعن أبي
أيوب عند أحمد وأبي داود والحاكم وعن أم حبيبة أشار إليه الترمذي وعن العباس بن
عبد المطلب عند ابن ماجه قال الترمذي: وحديث العباس قد روي موقوفًا وهو أصح.
وعن أُبيَّ بن كعب ذكره ابن أبي حاتم في العلل وعن
السائب بن يزيد عند أحمد وعن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم عند النسائي والبغوي في معجمه.
قوله: (وتوارت بالحجاب) وقع في صحيح البخاري
(إذا توارت بالحجاب) ولم يجر للشمس ذكر إحالة على فهم السامع وما يعطيه قوة
الكلام وهو تفسير للجملة الأولى أعني قوله إذا غربت الشمس.
والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس وهو
مجمع عليه وأن المسارعة بالصلاة في أول وقتها مشروعة. وقد اختلف السلف فيها هل
هي ذات وقت أو وقتين فقال الشافعي: إنه ليس لها إلا وقت واحد وهو أول الوقت هذا
هو الذي نص عليه في كتبه القديمة والجديدة ونقل عنه أبو ثور إن لها وقتين الثاني
منهما ينتهي إلى مغيب الشفق قال الزعفراني: وأنكر هذا القول جمهور الأصحاب ثم
اختلف أصحاب الشافعي في المسألة على طريقين: أحدهما القطع بأن لها وقتًا فقط
والثاني على قولين أحدهما هذا والثاني يمتد إلى مغيب الشفق وله أن يبدأ بالصلاة في
كل وقت من هذا الزمان.
قال النووي: وهو الصحيح وقد نقل أبو عيسى الترمذي عن
العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب وتمسك القائل بأن لها وقتًا
واحدًا بحديث جبريل السابق وقد ذكرنا كيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بأن
للمغرب وقتين في باب أول وقت العصر.
وقد اختلف العلماء بعد اتفاقهم على أن أول وقت المغرب
غروب الشمس في العلامة التي يعرف بها الغروب فقيل بسقوط قرص الشمس بكماله وهذا
إنما يتم في الصحراء وأما في العمران فلا. وقيل برؤية الكوكب الليلي وبه قالت
القاسمية واحتجوا بقوله: (حتى يطلع الشاهد) والشاهد النجم أخرجه مسلم
والنسائي من حديث أبي بصرة. وقيل بل بالإظلام وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة
والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد اللَّه بن موسى والإمام يحيى لحديث (إذا أقبل الليل
من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم) متفق عليه من حديث ابن عمر وعبد
اللَّه بن أبي أوفى ولما في حديث جبريل من رواية ابن عباس بلفظ: (فصلى بي حين
وجبت الشمس وأفطر الصائم) ولحديث الباب وغير ذلك.
وأجاب صاحب البحر عن هذه الأدلة بأنها مطلقة وحديث
(حتى يطلع الشاهد) مقيد ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد وغايته أن يكون طلوع
الشاهد أحد أمارات غروب الشمس على أنه قد قيل إن قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح
ذلك لم يبعد أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك حديث السائب بن يزيد عند
أحمد والطبراني مرفوعًا بلفظ: (لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل
طلوع النجم) وحديث أيوب مرفوعًا (بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم) وحديث
أنس ورافع بن خديج قال: (كنا نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم نرمي
فيرى أحدنا موقع نبله) وأما آخر وقت المغرب فذهب الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل وإسحاق
وأبو ثور وداود إلى أن آخره ذهاب الشفق الأحمر لحديث جبريل وحديث ابن عمرو بن
العاص وقد مرا.
وقال مالك وأبو حنيفة: إنه ممتد إلى الفجر وهو أحد
قولي الناصر وقد سبق ذكر ما ذهب إليه الشافعي.
2 - وعن عقبة بن عامر: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك
النجوم).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك وفي إسناده محمد
بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وفي الباب عن العباس بن عبد المطلب عند ابن ماجه
والحاكم وابن خزيمة في صحيحه بلفظ: (لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا
المغرب حتى تشتبك النجوم) قال محمد بن يحيى: اضطرب الناس في هذا الحديث ببغداد
فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عباد بن العوام فأخرج إلينا أصل أبيه
فإذا الحديث فيه. وأخرجه أبو بكر البزار من حديث إبراهيم بن موسى عن عباد بن
العوام بسنده ثم قال: لا يعلمه يروى يعني عن العباس إلا من هذا الوجه ورواه غير
واحد عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن مرسلًا قال الترمذي: وحديث العباس وقد
روي عنه موقوفًا وهو أصح.
قال ابن سيد الناس: ومراد البزار بالمرسل هنا الموقوف
لأنه متصل الإسناد إلى العباس وذكر الخلال بعد إيراد هذا الحديث قال أبو عبد
اللَّه: هذا حديث منكر.
والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها
إلى اشتباك النجوم وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك
النجوم مستحبًا والحديث يرده.
قال النووي في شرح مسلم: إن تعجيل المغرب عقيب غروب
الشمس مجمع عليه قال: وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له وأما
الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير
وقد سبق إيضاح ذلك لأنها كانت جوابًا للسائل عن الوقت وأحاديث التعجيل المذكورة في
هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم المتكررة
التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها.
3 - وعن مروان بن الحكم قال: (قال لي زيد بن ثابت ما
لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يقرأ فيها بطولى الطوليين).
رواه البخاري وأحمد والنسائي. وزاد عن عروة طولى
الطوليين الأعراف. وللنسائي: (رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يقرأ فيها بطولى الطوليين المص).
قوله: (بقصار المفصل) قال في الضياء: هو من سورة
محمد إلى آخر القرآن وذكر في القاموس أقوالًا عشرة من الحجرات إلى آخره قال: في
الأصح أو من الجاثية أو القتال أو قاف أو الصافات أو الصف أو تبارك أو إنا فتحنا
لك أو سبح اسم ربك الأعلى أو الضحى.
نسب بعض هذه الأقوال إلى من قال بها قال: وسمي مفصلًا
لكثرة الفصول بين سوره أو لقلة المنسوخ.
قوله: (بطولى الطوليين) في الفتح الطوليين الأعراف
والأنعام في قول وتسميتهما بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما
وفسرهما ابن أبي مليكة بالأعراف والمائدة والأعراف أطول من صاحبتها قال الحافظ: إنه
حصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف.
والحديث يدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب وقد
اختلفت حالات النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيها فثبت عند الشيخين من حديث جبير
بن مطعم أنه قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب
بالطور) وثبت أنه قرأ في المغرب بالصافات. وأنه قرأ فيها بحم الدخان وأنه قرأ
بسبح اسم ربك الأعلى وأنه قرأ بالتين والزيتون وأنه قرأ بالمعوذتين وأنه قرأ
بالمرسلات وأنه قرأ بقصار المفصل وسيأتي تحقيق ذلك في باب جامع القراءة في الصلاة
إن شاء اللَّه تعالى.
والمصنف ساق الحديث هنا للاستدلال به على امتداد وقت
المغرب ولهذا قال وقد سبق بيان امتداد وقتها إلى غروب الشفق في عدة أحاديث انتهى.
وكذلك استدل الخطابي وغيره بهذا الحديث على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق قال
الحافظ: وفيه نظر لأن من قال إن لها وقتًا واحدًا لم يحده بقراءة معينة بل قالوا
لا يجوز تأخيرها عن أول غروب الشمس وله أن يمد القراءة فيها ولو غاب الشفق ثم
قال: ولا يخفى ما فيه لأن تعمد إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع ولو أجزأت فلا
يحمل ما ثبت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك.
باب تقديم
العشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب
1 - عن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم).
2 - وعن عائشة: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء).
3 - وعن ابن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا تعجل حتى
تفرغ منه).
متفق عليهن. وللبخاري وأبي داود: (وكان ابن عمر
يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة الإمام).
قوله: (حضر العشاء) قال في القاموس هو طعام العشي
وهو ممدود كسماء.
قوله: (فابدؤوا بالعشاء) أي بأكله.
الحديث الأول يدل على وجوب تقديم العشاء على صلاة المغرب
إن حضر والحديثان الآخران يدلان على وجوب تقديم العشاء إذا حضر على المغرب وغيرها
لما يشعر به تعريف الصلاة من العموم.
وقال ابن دقيق العيد: الألف واللام في الصلاة لا ينبغي
أن يحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية بل ينبغي أن يحمل على المغرب بما ورد
في بعض الروايات (إذا وضع العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا) وهو
صحيح. وكذلك صح أيضًا (فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب) انتهى.
وأنت خبير بأن التنصيص على المغرب لا يقتضي تخصيص عموم
الصلاة لما تقرر في الأصول من أن موافق العام لا يخصص به فلا يصلح جعله قرينة لحمل
اللام على ما لا عموم فيه ولو سلم عدم العموم لم يسلم عدم الإطلاق وقد تقرر أيضًا
في الأصول أن موافق المطلق لا يقتضي التقييد ولو سلمنا ما ذكره باعتبار أحاديث
الباب لتأييده بأن لفظ العشاء يخرج صلاة النهار وذلك مانع من حمل اللام على العموم
لم يتم له باعتبار حديث (لا صلاة بحضرة طعام) عند مسلم وغيره. ولفظ صلاة
نكرة في سياق النفي ولا شك أنها من صيغ العموم.
ولإطلاق الطعام وعدم تقييده بالعشاء فذكر المغرب من
التنصيص على بعض أفراد العام وليس بتخصيص على أن العلة التي ذكرها شراح الحديث
للأمر بتقديم العشاء كالنووي وغيره مقتضية لعدم الاختصاص ببعض الصلوات فإنهم قالوا
إنها اشتغال القلب بالطعام وذهاب كمال الخشوع في الصلاة عند حضوره والصلوات
متساوية الأقدام في هذا وظاهر الأحاديث أنه يقدم العشاء مطلقًا سواء كان محتاجًا
إليه أم لا وسواء كان خفيفًا أم لا وسواء خشي فساد الطعام أو لا وخالف الغزالي
فزاد قيد خشية فساد الطعام والشافعية فزادوا قيد الاحتياج ومالك فزاد أن يكون
الطعام خفيفًا.
وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الأحاديث ابن حزم والظاهرية ورواه
الترمذي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق. ورواه العراقي عن الثوري
فقال: يجب تقديم الطعام وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدمت.
وذهب الجمهور إلى الكراهة وظاهر الأحاديث أيضًا أنه يقدم
الطعام وإن خشي خروج الوقت وإليه ذهب ابن حزم وذكره أبو سعيد المتولي وجهًا لبعض
الشافعية. وذهب الجمهور إلى أنه إذا ضاق الوقت صلى على حاله محافظة على الوقت
ولا يجوز تأخيرها قالوا: لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا تفوته لأجله وظاهر قوله ولا
تعجل حتى تفرغ أنه يستوفي حاجته من الطعام بكمالها وهو يرد ما ذكره بعض الشافعية
من أنه يقتصر على تناول لقمات يكسر بها سورة الجوع. قال النووي: وهذا الحديث
صريح في إبطاله.
وقد استدل بالأحاديث المذكورة على أن الجماعة ليست
بواجبة. قال ابن دقيق العيد: وهذا صحيح إن أريد به أن حضور الطعام مع التشوق
إليه عذر في ترك الجماعة وإن أريد به الاستدلال على أنها ليست بفرض من غير عذر ولم
يصح ذلك انتهى. ويؤيده أن ابن حبان وهو من القائلين بوجوب الجماعة جعل حضور
الطعام عذرًا في تركها.
وقد استدل أيضًا بهذه الأحاديث على التوسعة في وقت
المغرب وقد تقدم الكلام في ذلك وقد ألحق بالطعام ما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر
بجامع ذهاب الخشوع الذي هو روح الصلاة.
وقوله: (إذا حضر العشاء ووضع عشاء أحدكم) دليل على
اعتبار الحضور الحقيقي ومن نظر إلى المعنى من أهل القياس لا يقصر الحكم على الحضور
بل يقول به عند وجود المعنى وهو التشوق إلى الطعام ولا شك أن حضور الطعام مؤثر
لزيادة الاشتغال به والتطلع إليه ويمكن أن يكون الشارع قد اعتبر هذه الزيادة في
تقديم الطعام وقد تقرر في الأصول أن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون
معتبرًا لم يلغ. قال ابن دقيق العيد: إنه لا يبعد إلحاق ما كان متيسر الحضور
عن قرب بالحاضر.
باب جواز
الركعتين قبل المغرب
1 - عن أنس قال: (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من
أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب ولم يكن بين الأذان والإقامة
شيء) وفي رواية (إلا قليل).
رواه أحمد والبخاري. وفي لفظ: (كنا نصلي على عهد
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب
فقيل له أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاهما قال: كان يرانا
نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا) رواه مسلم وأبو داود.
تقريره صلى اللَّه عليه وسلم لمن رآه يصلي في ذلك الوقت يدل
على عدم كراهة الصلاة فيه ولا سيما والفاعل لذلك عدد كثير من الصحابة وفي المسألة
مذهبان للسلف استحبهما جماعة من الصحابة والتابعين ومن المتأخرين أحمد وإسحاق ولم
يستحبهما الأربعة الخلفاء رضي اللَّه عنهم وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر
الفقهاء. وقال النخعي: هما بدعة.
احتج من قال بالاستحباب بما في هذا الباب من الأحاديث
الصحيحة وبما أخرجه ابن حبان من حديث عبد اللَّه بن مغفل: (أن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى قبل المغرب ركعتين) فقد ثبتنا عنه صلى اللَّه عليه
وسلم قولًا كما سيأتي وفعلًا وتقريرًا واحتج من قال بالكراهة بحديث عقبة بن عامر
الذي قد مر ذكره في باب وقت صلاة المغرب وهو يدل على شرعية تعجيلها وفعلهما يؤدي إلى
تأخير المغرب.
والحق أن الأحاديث الواردة بشرعية الركعتين قبل المغرب
مخصصة لعموم أدلة استحباب التعجيل قال النووي: وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب
فهذا خيال منابذ للسنة ولا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن
أول وقتها وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن
التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك انتهى. وهذا
الاستحباب ما لم تقم الصلاة كسائر النوافل لحديث (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة)
واعلم أن التعليل للكراهة بتأدية الركعتين إلى تأخير المغرب مشعر بأنه لا خلاف في
أنه يستحب لمن كان في المسجد في ذلك الوقت منتظرًا لقيام الجماعة وكان فعله
للركعتين لا يؤثر في التأخير كما يقع من الانتظار بعد الآذان للمؤذن حتى ينزل من المنارة
ولا ريب أن ترك هذه السنة في ذلك الوقت الذي لا اشتغال فيه بصلاة المغرب ولا بشيء
من شروطها مع عدم تأثير فعلها للتأخير من الاستحواذات الشيطانية التي لم ينج منها
إلا القليل.
قوله: (شيء) التنوين فيه للتعظيم أي لم يكن بينهما
شيء كثير ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل وبهذا يجمع بين هذه الرواية ورواية
قليل. وقال ابن المنير: يجمع بين الروايتين بحمل النفي المطلق على المبالغة
مجازًا والإثبات للقليل على الحقيقة وقد طول الكلام في ذلك الحافظ في الفتح فليرجع
إليه.
2 - وعن عبد اللَّه بن مغفل: (أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال: صلوا قبل المغرب
ركعتين ثم قال عند الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة).
رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وفي رواية: (بين كل
أذانين صلاة بين كل آذانين صلاة ثم قال في الثالثة: لمن شاء) رواه الجماعة.
زاد الإسماعيلي في روايته عن القواريري عن عبد الوارث في
الرواية الأولى ثلاث مرات وهو موافق لما في رواية البخاري لأنها بلفظ: قال في
الثالثة وفي رواية لأبي نعيم في المستخرج قالها ثلاثًا ثم قال: لمن شاء.
قوله: (كراهية أن يتخذها الناس سنة) قال المحب
الطبري: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب بل هذا الحديث
من أدل الأدلة على استحبابها. ومعنى قوله سنة أي شريعة وطريقة لازمة وكأن المراد
انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض ولهذا لم يعدها أكثر الشافعية في الرواتب واستدركها
بعضهم وتعقب أنه لم يثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم واظب عليها.
قوله: (بين كل آذانين) المراد بالآذنين والإقامة
تغليبًا. والرواية الأولى من حديث الباب تدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها
والرواية الأخرى بعمومها وقد عرفت الخلاف في ذلك.
3 - وعن أبي الخير قال: (أتيت عقبة بن عامر فقلت
له: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة: إنا كنا
نفعله على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قلت: فما يمنعك الآن
قال: الشغل).
رواه أحمد والبخاري.
قوله: (ألا أعجبك) بضم أوله وتشديد الجيم من
التعجيب.
قوله: (من أبي تميم) هو عبد اللَّه بن مالك
الجيشاني بفتح الجيم وسكون التحتانية بعدها معجمة تابعي كبير مخضرم أسلم في عهد
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد عده جماعة في الصحابة قال الحافظ في
الفتح: وفيه رد على قول القاضي أبي بكر بن العربي أنه لم يفعلهما أحد بعد
الصحابة لأن أبا تميم تابعي وقد فعلهما.
والحديث يدل على مشروعية صلاة الركعتين قبل المغرب وقد
تقدم الكلام على ذلك.
وقوله: (على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم) هذه الصيغة فيها خلاف مذكور في الأصول وعلم الاصطلاح هل لها حكم الرفع وهل
تشعر بإطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك فليطلب من موضعه.
4 - وعن أُبيَّ بن كعب قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: يا بلال اجعل بين آذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من
طعامه في مهل ويقضي المتوضئ من مهل).
رواه عبد اللَّه بن أحمد في المسند.
الحديث من رواية أبي الجوزاء عن أُبيَّ بن كعب ولم يسمع
منه وقد أخرج نحوه الترمذي من حديث جابر بزيادة: (والمعتصر إذا دخل لقضاء
الحاجة) قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم وإسناده مجهول انتهى.
وفي إسناده ضعيفان يرويه أحدهما عن الآخر فأولهما عبد المنعم بن نعيم قال البخاري
وأبو حاتم وابن حبان: منكر الحديث وقال النسائي: ليس بثقة. وثانيهما يحيى بن
مسلم وهو البكاء بصري لم يرضه يحيى بن سعيد. وقال أبو زرعة: ليس بقوي وقال أبو
حاتم: شيخ وقال يحيى بن معين: ليس بذلك وقال أحمد: ليس بثقة وقال النسائي:
متروك وفيه كلام طويل وله شاهد من حديث أبي هريرة وسلمان أخرجهما أبو الشيخ وكلها
واهية. قال الحاكم: ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن فائد.
قال الحافظ: لم يقع إلا في روايته هو ولم يقع في رواية
الباقين لكن فيه عبد المنعم صاحب الشفاء وهو كاف في تضعيف الحديث انتهى.
والحديث يدل على مشروعية الفصل بين الآذان والإقامة
وكراهة الموالاة بينهما لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها
لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على أكل الطعام أو توضأ
للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها بسبب التعجيل وعدم الفصل لا سيما إذا كان مسكنه
بعيدًا من مسجد الجماعة فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البر والتقوى
المندوب إليها.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وكل هذه الأخبار تدل على
أن للمغرب وقتين وأن السنة أن يفصل بين أذانها وإقامتها بقدر ركعتين انتهى.
وقد تقدم الكلام على وقت المغرب وأما أن الفصل مقدار ركعتين
فلم يثبت وقد ترجم البخاري باب كم بين الآذان والإقامة ولكن لما كان التقدير لم
يثبت لم يذكر الحديث قال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع
المصلين.
باب في أن
تسميتها بالمغرب أولى من تسميتها بالعشاء
1 - عن عبد اللَّه بن مغفل: (أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم قال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال: والأعراب
تقول هي العشاء).
متفق عليه.
قوله: (والأعراب تقول هي العشاء) لأن العشاء لغة
أول ظلام الليل والمعنى النهي عن تسمية المغرب بالعشاء كما تفعل الأعراب فإذا وقعت
الموافقة لهم فقد غلبتهم الأعراب عليها إذ من رجع إليه خصمه فقد غلبه وقد اختلف في
علة النهي عن ذلك فقيل هي خوف التباس المغرب بالعشاء وقيل العلة الجامعة أن
تسميتها بالعشاء مخالفة لأذن اللَّه فإنه سمى الأولى المغرب والثانية العشاء
الآخرة وقيل غير ذلك واللَّه أعلم.
باب وقت صلاة العشاء وفضل تأخيرها مع مراعاة حال الجماعة
وبقاء وقتها المختار إلى نصف الليل.
1 - عن ابن عمر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة).
رواه الدارقطني.
الحديث قال الدارقطني في الغرائب: هو غريب وكل رواته
ثقات وقد رواه أيضًا ابن عساكر والبيهقي وصحح وقفه وقد ذكره الحاكم في المدخل
وجعله مثالًا لما رفعه المخرجون من الموقوفات. وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن
عبد اللَّه بن عمر مرفوعًا: (ووقت صلاة المغرب إلى أن يذهب حمرة الشفق) قال
ابن خزيمة: إن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات لكن تفرد بها محمد بن يزيد.
قال الحافظ: محمد بن يزيد صدوق قال البيهقي: روي هذا
الحديث عن عمر وعلي وابن عباس وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة ولا يصح
فيه شيء.
قال المصنف رحمه اللَّه: وهو يدل على وجوب الصلاة بأول
الوقت انتهى. وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور.
والحديث يدل على صحة قول من قال أن الشفق الحمرة وهم ابن
عمر وابن عباس وأبو هريرة وعبادة من الصحابة. والقاسم والهادي والمؤيد باللَّه
وأبو طالب وزيد بن علي والناصر من أهل البيت. والشافعي وابن أبي ليلى والثوري
وأبو يوسف ومحمد من الفقهاء. والخليل والفراء من أئمة اللغة. قال في
القاموس: الشفق الحمرة ولم يذكر الأبيض وقال أبو حنيفة والأوزاعي والمزني به
وقال الباقر: بل هو الأبيض واحتجوا بقوله تعالى: {إلى غسق الليل} ولا غسق
قبل ذهاب البياض ورد بأن ذلك ليس بمانع كالنجوم.
وقال أحمد بن حنبل: الأحمر في الصحارى والأبيض في
البنيان وذلك قول لا دليل عليه ومن حجج الأولين ما روي عنه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
والنسائي. قال ابن العربي: هو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق قال ابن سيد الناس
في شرح الترمذي: وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند
ثلث الليل الأول وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت به فصح يقينًا أن وقتها
داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو
البياض فتبين بذلك يقينًا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة انتهى. وابتداء
وقت العشاء مغيب الشفق إجماعًا لما تقدم في حديث جبريل وفي حديث التعليم وهذا
الحديث وغير ذلك وأما آخره فسيأتي الخلاف فيه.
2 - وعن عائشة قالت: (أعتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم ليلة بالعتمة فنادى عمر: نام النساء والصبيان فخرج رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم فقال: ما ينتظرها غيركم ولم تصل يومئذ إلا بالمدينة ثم
قال: صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل).
رواه النسائي.
الحديث رجال إسناده في سنن النسائي رجال الصحيح إلا شيخ
النسائي عمرو بن عثمان وهو صدوق.
والحديث متفق عليه من حديثها بنحو هذا اللفظ. وفي
الباب عن زيد بن خالد أشار إليه الترمذي. وعن ابن عمر عند مسلم وعن معاذ عند أبي
داود وعن أبي بكرة رواه الخلال من حديث عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه وعن علي عليه
السلام عند البزار وعن أبي سعيد وعائشة وأنس وأبي هريرة وجابر بن سمرة وجابر بن
عبد اللَّه وسيأتي.
قوله: (أعتم) أي دخل في العتمة ومعناه أخرها والعتمة
لغة حلب بعد هوى من الليل بعدًا من الصعاليك. والمراد بها هنا صلاة العشاء وإنما
سميت بذلك لوقوعها في ذلك الوقت. وفي القاموس والعتمة محركة ثلث الليل الأول بعد
غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاء الآخرة اهـ.
وهذا الحديث يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها
وقد اختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان
لمالك والشافعي. فذهب فريق إلى تفضيل التأخير محتجًا بهذه الأحاديث المذكورة في
هذا الباب وذهب فريق آخر إلى تفضيل التقديم محتجًا بأن العادة الغالبة لرسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هي التقديم وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز
والشغل والعذر ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه وإن كان فيه مشقة ورد بأن هذا إنما
يتم لو لم يكن منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا مجرد الفعل لها في ذلك الوقت وهو
ممنوع لورود الأقوال كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغير ذلك وفيها تنبيه
على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة كما صرحت بذلك الأحاديث
وأفعاله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا تعارض هذه الأقوال وأما ما ورد من أفضلية
أول الوقت على العموم فأحاديث هذا الباب خاصة فيجب بناؤه عليها وهذا لا بد منه.
قوله: (ولم تصل يومئذ إلا بالمدينة) أي لم تصل
بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة ذكر معناه في الفتح.
قوله: (فيما بين أن يغيب الشفق) الخ قد تقدم أن
تحديد أول وقت العشاء بغيبوبة الشفق أمر مجمع عليه وإنما وقع الخلاف هل هو الأحمر
أو الأبيض وقد سلف ما هو الحق.
3 - وعن جابر بن سمرة قال: (كان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يؤخر العشاء الآخرة).
رواه أحمد ومسلم والنسائي.
4 - وعن عائشة: (قالت كانوا يصلون العتمة فيما بين
أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول).
أخرجه البخاري.
5 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل
أو نصفه).
رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
الحديث الأول يدل على استحباب مطلق التأخير للعشاء وجواز
وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة في ذلك وقد حكى عن الأصمعي الكراهة.
والحديث الثاني يدل على استحباب تأخيرها أيضًا وامتداد
وقتها إلى ثلث الليل.
والحديث الثالث فيه التصريح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة
وقد تقدم الكلام في ذلك وفيه بيان امتداد الوقت إلى ثلث الليل أو نصفه وقد اختلف
أهل العلم في ذلك.
فذهب عمر بن الخطاب والقاسم والهادي والشافعي وعمر بن
عبد العزيز إلى أن آخر وقت العشاء ثلث الليل واحتجوا بحديث جبريل وحديث أبي موسى
في التعليم وقد تقدما.
وفي قول للشافعي أن آخر وقتها نصف الليل واحتج بما تقدم
في حديث عبد اللَّه بن عمرو في باب أول وقت العصر وفيه (ووقت صلاة العشاء إلى
نصف الليل) وبحديث أبي هريرة المذكور هنا وبحديث عائشة وأنس وأبي سعيد وستأتي
وغير ذلك.
وهذه الأحاديث المصير إليها متعين لوجوه: الأول
لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة. الثاني اشتمالها على الأقوال والأفعال وتلك
أفعال فقط وهي لا تتعارض ولا تعارض الأقوال. والثالث كثرة طرقها. والرابع
كونها في الصحيحين فالحق أن آخر وقت اختيار العشاء نصف الليل وما أجاب به صاحب
البحر من أن النصف مجمل فصله خبر جبريل فليس على ما ينبغي.
وأما وقت الجواز والاضطرار فهو ممتد إلى الفجر لحديث أبي
قتادة عند مسلم وفيه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى
يجيء وقت الصلاة الأخرى فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة
الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع. وأما حديث عائشة
الآتي بلفظ: (حتى ذهب عامة الليل) فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت اختيار
العشاء إلى ما بعد نصف الليل ولكنه مؤول لما سيأتي.
6 - وعن جابر قال: (كان النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت الشمس والعشاء
أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر والصبح
كانوا أو كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصليها بغلس).
متفق عليه.
قوله: (بالهاجرة) هي شدة الحر نصف النهار عقب
الزوال سميت بذلك من الهجر وهو الترك لأن الناس يتركون التصرف حينئذ لشدة الحر
ويقيلون وقد تقدم تفسيرها بنحو من هذا.
قوله: (والشمس نقية) أي صافية لم تدخلها صفرة.
قوله: (إذا وجبت) أي غابت والوجوب السقوط كما
سبق.
قوله: (إذا رآهم اجتمعوا) فيه مشروعية ملاحظة
أحوال المؤتمين والمبادرة بالصلاة مع اجتماع المصلين لأن انتظارهم بعد الاجتماع
ربما كان سببًا لتأذي بعضهم وأما الانتظار قبل الاجتماع فلا بأس به لهذا الحديث
ولأنه من باب المعاونة على البر والتقوى.
قوله: (بغلس) الغلس محركة ظلمة آخر الليل قاله في
القاموس.
والحديث يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء لكن مقيدًا
بعدم اجتماع المصلين.
7 - وعن عائشة: (قالت أعتم النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال:
إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي).
رواه مسلم والنسائي.
قوله: (أعتم) قد تقدم الكلام عليه.
قوله: (حتى ذهب عامة الليل) قال النووي: التأخير
المذكور في الأحاديث كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار وهو نصف الليل أو ثلث
الليل على الخلاف المشهور والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد
من هذا التأويل لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (إنه لوقتها) ولا يجوز أن المراد
بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد
نصف الليل أفضل اهـ.
قوله: (لولا أن أشق على أمتي) فيه تصريح بما قدمنا
من أن ترك التأخير إنما هو للمشقة.
والحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقت
اختيارها وقد تقدم الكلام على ذلك.
8 - وعن أنس قال: (أخر النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في
صلاة ما انتظرتموها قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذ).
متفق عليه.
قوله: (قد صلى الناس) أي المعهودون ممن صلى من
المسلمين إذ ذاك.
قوله: (وبيص خاتمه) هو بالباء الموحدة والصاد
المهملة البريق. والخاتم بكسر التاء وفتحها ويقال أيضًا خاتام وخيتام أربع لغات
قاله النووي.
والحديث يدل على مشروعية تأخير صلاة العشاء والتعليل
بقوله: (أما إنكم) الخ يشعر بأن التأخير لذلك قال الخطابي وغيره: إنما
استحب تأخيرها لتطول مدة الانتظار للصلاة ومنتظر الصلاة في صلاة.
9 - وعن أبي سعيد قال: (انتظرنا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم ليلة بصلاة العشاء حتى ذهب نحو من شطر الليل قال: فجاء
فصلى بنا ثم قال: خذوا مقاعدكم فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم وإنكم لم تزالوا في
صلاة منذ انتظرتموها ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه
الصلاة إلى شطر الليل).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه من حديثه والنسائي وابن
خزيمة وغيرهم وإسناده صحيح.
قوله: (ليلة) فيه إشعار بأنه لم يكن يواظب على
ذلك.
قوله: (شطر الليل) الشطر نصف الشيء وجزؤه ومنه
حديث الإسراء فوضع شطرها أي بعضها قاله في القاموس.
قوله: (ولولا ضعف الضعيف) هذا تصريح بأفضلية
التأخير لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة.
والحديث من حجج من قال بأن التأخير أفضل وقد تقدم الخلاف
في ذلك.
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت قد ثبت تأخيرها إلى شطر
الليل عنه عليه السلام قولًا وفعلًا وهو يثبت زيادة على أخبار ثلث الليل والأخذ
بالزيادة أولى اهـ. وهذا صحيح قد أسلفنا ذكره.
//باب
كراهية النوم قبلها والسمر بعدها إلا في مصلحة
1 - عن أبي برزة الأسلمي: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها
والحديث بعدها).
رواه الجماعة.
وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان وعن أنس أشار إليه
الترمذي. وعن ابن عباس رواه القاضي أبو الطاهر الدهلي وعن ابن مسعود وسيأتي.
قال الترمذي: وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص في ذلك بعضهم
وقال ابن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهة ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة
العشاء في رمضان.
قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: وقد كرهه جماعة
وأغلظوا فيه منهم ابن عمر وعمر وابن عباس وإليه ذهب مالك ورخص فيه بعضهم منهم علي
عليه السلام وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها
وروي عن ابن عمر مثله وإليه ذهب الطحاوي. وقال ابن العربي: إن ذلك جائز لمن
علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه والعلة في الكراهة
قبلها لئلا يذهب النوم بصاحبه ويستغرقه فتفوته أو يفوته فضل وقتها المستحب أو
يترخص في ذلك الناس فيناموا عن إقامة جماعتها.
احتج من قال بالكراهة بحديث الباب وما بعده.
واحتج من قال بالجواز بدون كراهة بما أخرجه البخاري
وغيره من حديث عائشة (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أعتم بالعشاء
حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان) ولم ينكر عليهم وبحديث ابن عمر: (أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد
ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم) الحديث ولم ينكر عليهم. قال ابن سيد الناس: وما أرى هذا من هذا الباب
ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار الصلاة من النوم المنهي عنه وإنما هو من السنة
التي هي مبادي النوم كما قال:
وسنان أقصده النعاس فرنقت ** في جفنه سنة وليس بنائم
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى الفرق بين هذا النوم
والنوم المنهي عنه.
قوله: (والحديث بعدها) سيأتي الخلاف في ذلك.
2 - وعن ابن مسعود قال: (جدب لنا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم السمر بعد العشاء).
رواه ابن ماجه وقال: جدب يعني زجرنا عنه نهانا عنه.
الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح وقد أشار إليه
الترمذي وذكره الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي ولم يتعقبه بما يوجب ضعفًا.
وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود نحوه من وجه
آخر بلفظ: (لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين مصل أو
مسافر) ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من حديث عائشة مرفوعًا
بلفظ: (لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس).
قوله: (جدب) هو بجيم فدال مهملة مفتوحتين فباء كمع
وزنًا ومعنى. ومنه سنة مجدبة أي ممنوعة الخير.
والحديث يدل على كراهة السمر بعد العشاء وسيأتي الخلاف
في ذلك.
3 - وعن عمر قال: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه).
رواه أحمد والترمذي.
الحديث حسنه الترمذي أيضًا وأخرجه النسائي ورجاله رجال
الصحيح وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر.
وفي الباب عن عبد اللَّه بن عمر عند البخاري ومسلم وقد
ذكرنا لفظه في شرح حديث أبي برزة وعن أوس بن حذيفة أشار إليه الترمذي. وعن ابن
عباس وسيأتي.
الحديث استدل به على عدم كراهة السمر بعد العشاء لحاجة
قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء
ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج وأكثر الحديث على
الرخصة. وهذا الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية
عامة أو خاصة وحديث أبي برزة وابن مسعود وغيرهما على الكراهة. أو طريقة الجمع بينها
بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه وأحاديث
الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد
العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح
المسلمين.
قال النووي: [قلت المدون النووي دائما يستخدم آلية التأويل حتي في نصوص العقائد والزجر والوعيد التي لا تقبل أي تدخل بشري عليها لأنها من نصوص الغيب والآخرة] واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا
ما كان في خير. قيل: وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر
الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار أو
القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك ولا أقل لمن أمن من ذلك من
الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات.
4 - وعن ابن عباس قال: (رقدت في بيت ميمونة ليلة كان
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم بالليل قال: فتحدث النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ساعة
ثم رقد) وساق الحديث.
رواه مسلم. الحديث استدل به من قال بجواز السمر مطلقًا
لأن التحدث الواقع منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يقيد بما فيه طاعة ولا بأس
بتقييده بما فيه طاعة جمعًا بين الأدلة كما سبق على أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم لبيان الجواز وللإشعار بالمنع من حمل الأدلة القاضية بمنع
السمر على التحريم ويمكن أن يقال إن العلة التي ذكرناها للكراهة منتفية في حقه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم لا منه من غلبة النوم وعروض الكسل ويجاب بمنع أمنه من غلبة
النوم مسندًا بنومه في الوادي وأما أمنه من عروض الكسل فمسلم إن لم يكن ذلك من
الأمور العارضة لطبيعة الإنسان الخارجة عن الاختيار
======
باب تسميتها بالعشاء والعتمة
1 - عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة: (أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف
الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير
لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا).
متفق عليه. زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق:
(فقلت لمالك: أما تكره أن تقول العتمة قال: هكذا قال الذي حدثني).
قوله: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول)
أي من مزيد الفضل وكثرة الأجر.
قوله: (لأتوهما) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه
جماعة وهو المسجد.
قوله: (ولو حبوا) أي زحفًا إذا منعهم مانع من
المشي كما يزحف الصغير. ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء (ولو حبوا على
المرافق والركب).
الحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الأذان والملازمة
للصف الأول والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر وسيأتي الكلام على ذلك ويدل على
جواز تسمية العشاء بالعتمة وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري بلفظ: (أعتم النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالعتمة) ومن حديث جابر عند البخاري أيضًا بلفظ: (صلى
لنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليلة صلاة العشاء وهي التي تدعو الناس
العتمة) ومن حديث غيرهما أيضًا.
وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر
الآتي فقال النووي وغيره: الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين:
أحدهما إنه استعمل لبيان الجواز وإن انتهى عن العتمة
للتنزيه لا للتحريم.
والثاني إنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء
فخوطب بما يعرفه أو استعمل لفظ العتمة لأنه أشهر عند العرب وإنما كانوا يطلقون
العشاء على المغرب كما في صحيح البخاري ومسلم بلفظ: (لا تغلبنكم الأعراب على
اسم صلاتكم المغرب قال: والأعراب تقول هي العشاء) وقد تقدم هذا الحديث والكلام
عليه. وقيل إن النهي عن التسمية العتمة عتمة ناسخ للجواز وفيه إنه يحتاج في مثل
ذلك إلى معرفة التاريخ والعلم بتأخر حديث المنع.
قال الحافظ في الفتح: ولا يبعد أن ذلك كان جائزًا فلما
كثر إطلاقهم له نهوا عنه لئلا تغلب السنة الجاهلية على السنة الإسلامية ومع ذلك
فلا يحرم ذلك بدليل أن الصحابة الذين رووا النهي استعملوا التسمية المذكورة وأما استعمالها
في مثل حديث أبي هريرة فلدفع الالتباس بالمغرب واللَّه أعلم اهـ.
2 - وعن ابن عمر قال: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يقول: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون
بالإبل).
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وفي رواية
لمسلم: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب اللَّه
العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل).
الحديث أخرج نحوه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن
قاله الحافظ. وأخرج نحوه أيضًا البيهقي وأبو يعلى من حديث عبد الرحمن بن عوف
كذلك زاد الشافعي في روايته في حديث ابن عمر وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون العتمة
صاح وغضب. وأخرج عبد الرزاق هذا الموقوف من وجه آخر. وروى ابن أبي شيبة عن ابن
عمر أنه قال له ميمون بن مهران: من أول من سمى العشاء العتمة قال: الشيطان.
والحديث يدل على كراهة تسمية العشاء بالعتمة وقد ذهب إلى
ذلك ابن عمر وجماعة من السلف ومنهم من قال بالجواز وقد نقله ابن أبي شيبة عن أبي
بكر الصديق وغيره ومنهم من جعله خلاف الأولى وقد نقله ابن المنذر عن مالك والشافعي
واختاره.
قال الحافظ: وهو الراجح واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة
المتقدم وقد تقرر أن جواز المصير إلى الترجيح مشروط بتعذر الجمع ولم يتعذر ههنا
كما عرفت في شرح الحديث الأول. قوله: (يعتمون) قد تقدم تفسير ذلك في باب وقت صلاة
العشاء.
//باب وقت
صلاة الفجر وما جاء في التغليس بها والإسفار
قد تقدم بيان وقتها في غير حديث.
1 - وعن عائشة قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن
حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس).
رواه الجماعة. وللبخاري (ولا يعرف بعضهن بعضًا).
قوله: (نساء المؤمنات) صورته صورة إضافة الشيء إلى
نفسه واختلف في تأويله وتقديره: فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات وقيل نساء
الجماعات المؤمنات وقيل إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال
رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم.
وقوله: (كن) قال الكرماني: هو مثل أكلوني
البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع.
قوله: (متلفعات) هو بالعين المهملة بعد الفاء أي
متجللات ومتلففات. والمروط جمع مرط بكسر الميم الأكسية المعلمة من خز أو صوف أو
غير ذلك.
قوله: (لا يعرفهن أحد) قال الداودي: معناه ما
يعرفن أنساء هن أم رجال. وقيل لا يعرف أعيانهن قال النووي: وهذا ضعيف لأن
المتلفعة في النهار أيضًا لا يعرف عنها فلا يبقى في الكلام فائدة وتعقب بأن
المعرفة إنما تتعلق بالأعيان ولو كان المراد الأول لعبر عنه نفي العلم.
قال الحافظ: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف
عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها
مغطى. قال الباجي: وهذا يدل على أنهن كن سافرات [وفيه نظر إذ معنى لا يعرفن
لا يميزن من الرجال لسواد الليل وحلوكه فلا يدل على ما ذكر بل الأخبار ترده].
إذ لو كن متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيتهن لا التغليس.
قوله: (من الغلس) من ابتدائية أو تعليلية ولا
معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة إنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه
لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس.
والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول
الوقت وقد اختلف العلماء في ذلك فذهبت العترة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو
ثور والأوزاعي وداود بن علي وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن عمر وعثمان وابن
الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب.
وحكى هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة وابن
مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز واحتجوا بالأحاديث المذكورة في هذا الباب
وغيرها ولتصريح أبي مسعود في الحديث الآتي بأنها كانت صلاة النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار. وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه
والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود إلى
أن الإسفار أفضل.
واحتجوا بحديث (أسفروا بالفجر) وسيأتي ونحوه. وقد
أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الإسفار بأجوبة: منها أن الإسفار التبين
والتحقق فليس المراد إلا تبين الفجر وتحقق طلوعه ورد بما أخرجه ابن أبي شيبة
وإسحاق وغيرهما بلفظ: (ثوب بصلاة الصبح يا بلال حين يبصر القوم مواقع نبلهم من
الإسفار) ومنها أن الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتحقق فيها الفجر
إلا بالاستظهار في الإسفار. وذكر الخطابي إنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل
صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبًا للثواب فقيل لهم صلوا بعد الفجر الثاني
وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجركم فإن قيل لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر فالجواب
إنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر.
وقال أبو جعفر الطحاوي: إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في صلاة الصبح مغلسًا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها
مسفرًا وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس
ولو قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد
أسفروا ودخلوا في الإسفار جدًا ألا ترى إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه حين قرأ البقرة
في ركعتي الصبح قيل له كادت الشمس تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
2 - وعن أبي مسعود الأنصاري: (أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت
صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر). رواه أبو داود.
الحديث رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح وأصله في
الصحيحين والنسائي وابن ماجه ولفظه: (سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم يقول: نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم
صليت معه ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس وربما أخرها حين اشتد الحر ورأيته يصلي العصر
والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا
الحليفة قبل غروب الشمس ويصلي المغرب حين تسقط الشمس ويصلي العشاء حين يسود الأفق
وربما أخرها حتى يجتمع الناس وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم
كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر) ولم يذكر رؤيته لصلاة
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا أبو داود قال المنذري: وهذه الزيادة
في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات والزيادة من الثقة مقبولة اهـ.
وقال الخطابي: هو صحيح الإسناد وقال ابن سيد الناس:
إسناده حسن.
قوله: (فأسفر بها) قال في القاموس: سفر الصبح
يسفر أضاء وأشرق اهـ. والغلس بقايا الظلام وقد مر تفسيره.
والحديث يدل على استحباب التغليس وأنه أفضل من الإسفار
ولولا ذلك لما لازمه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى مات وبذلك احتج من قال
باستحباب التغليس وقد مر ذكر الخلاف في ذلك وكيفية الجمع بين الأحاديث.
3 - وعن أنس عن زيد بن ثابت قال: (تسحرنا مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت: كم كان مقدار ما بينهما
قال: قدر خمسين آية).
متفق عليه.
الحديث أخرجه ابن حبان والنسائي عن أنس قال: (قال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: يا أنس إني أريد الطعام أطعمني شيئًا
فجئته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعد ما أذن بلال قال: يا أنس انظر رجلًا يأكل معي
فدعوت زيد بن ثابت فجاء فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة).
الحديث يدل أيضًا على استحباب التغليس وأن أول وقت الصبح
طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب والمدة التي بين الفراغ من
السحور والدخول في الصلاة وهي قراءة الخمسين آية هي مقدار الوضوء فأشعر ذلك بأن
أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر.
4 - عن رافع بن خديج قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر).
رواه الخمسة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والطبراني قال الحافظ في
الفتح: وصححه غير واحد قال: وأبعد من زعم أنه ناسخ للصلاة في الغلس وقد احتج
به من قال بمشروعية الإسفار وقد تقدم الكلام عليه وعلى الجمع بينه وبين أحاديث
التغليس وقد تقرر في الأصول أن الخطاب الخاص بنا لا يعارضه فعل النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم والأمر بالإسفار لا يشمل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا على طريق
النصوصية ولا الظهور فملازمته للتغليس وموته عليه لا تقدح في مشروعية الإسفار
للأمة لولا أنه فعل ذلك وفعله معه الصحابة لكان ذلك مشعرًا بعدم الاختصاص به فلا
بد من المصير إلى التأويل كما سبق.
5 - وعن ابن مسعود قال: (ما رأيت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء
بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها).
متفق عليه. ولمسلم: (قبل وقتها بغلس) ولأحمد
والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (خرجت مع عبد اللَّه فقدمنا جمعًا فصلى
الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة وتعشى بينهما ثم صلى حين طلع الفجر. قائل
يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع ثم قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ولا
يقدم الناس جمعًا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة).
قوله: (بجمع) بجيم مفتوحة فميم ساكنة فعين مهملة
وهي المزدلفة ويوم جمع يوم عرفة وأيام جمع أيام منى أفاده القاموس. وإنما سميت
المزدلفة جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها.
وروي عن قتادة أنه قال: إنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها
بين الصلاتين وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى اللَّه أي
يتقربون إليه بالوقوف فيها وقيل غير ذلك.
قوله: (حتى يعتموا) أي يدخلوا في العتمة وقد تقدم
بيانها وتمام حديث ابن مسعود في البخاري بعد قوله وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف
حتى أسفر ثم قال يعني ابن مسعود: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فما
أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر انتهى.
والحديث استدل به من قال باستحباب الإسفار لأن قوله قبل ميقاتها
قد بين في رواية مسلم أنه في وقت الغلس فدل على أن ذلك الوقت أعني وقت الغلس متقدم
على ميقات الصلاة المعروف عند ابن مسعود فيكون ميقاتها المعهود هو الإسفار لأنه
الذي يتعقب الغلس فيصلح ذلك للاحتجاج به على الإسفار وقد تقدم الكلام على ذلك.
6 - وعن أبي الربيع قال: (كنت مع ابن عمر فقلت له:
إني أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانًا تسفر فقال: كذلك رأيت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يصليها). رواه أحمد.
الحديث في إسناده أبو الربيع المذكور. قال
الدارقطني: مجهول وهو من جملة ما تمسك به القائلون باستحباب الإسفار لأن ابن عمر
كان يسفر بعد موته صلى اللَّه عليه وسلم فلو كان منسوخًا لما فعله ولا يخفاك أن
غاية ما فيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان أحيانًا يغلس وأحيانًا يسفر وهذا
لا يدل على أن الإسفار أفضل من التغليس إنما يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم فعل الأمرين وذلك مما لا نزاع فيه إنما النزاع في الأفضل وفعل ابن عمر
لا يدل على عدم النسخ المتنازع فيه وهو نسخ الفضيلة لما سلف إنما يدل على عدم نسخ
الجواز وذلك أمر متفق عليه.
7 - وعن معاذ بن جبل قال: (بعثني رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال: يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر
وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا كان الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل
قصير والناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوا).
رواه الحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة وأخرجه بقي بن
مخلد في مسنده المصنف.
الحديث أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية كما قال السيوطي
في الجامع الكبير وفيه التفرقة بين زمان الشتاء والصيف في الإسفار والتغليس معللًا
بتلك العلة المذكورة في الحديث ولكنه لا يعارض أحاديث التغليس لما في حديث أبي
مسعود السابق من التصريح بملازمته صلى اللَّه عليه وآله وسلم للتغليس حتى مات فكان
آخر الأمرين منه وهذا الحديث ظاهر في التقدم لما فيه من التاريخ بخروج معاذ إلى
اليمن فلا بد من تأويله بما تقدم.
//باب بيان
أن من أدرك بعض الصلاة في الوقت فإنه يتمها ووجوب المحافظة على الوقت
1 - عن أبي هريرة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن
أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر).
رواه الجماعة وللبخاري: (إذا أدرك أحدكم سجدة من
صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن
تطلع الشمس فليتم صلاته).
2 - وعن عائشة قالت: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن
تطلع الشمس فقد أدركها).
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والسجدة هنا
الركعة.
قوله: (فقد أدرك) قال النووي: أجمع المسلمون على
أن هذا ليس على ظاهره وأنه لا يكون بالركعة مدركًا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل الصلاة
بهذه الركعة بل هو متأول وفيه إضمار تقديره فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو
فضلها انتهى. وقيل يحمل على أنه أدرك الوقت.
قال الحافظ: وهذا قول الجمهور وفي رواية من حديث أبي
هريرة: (من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس وصلى ما بقي بعد غروب الشمس
لم تفته العصر) وقال مثل ذلك في الصبح.
وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة أيضًا: (فليتم صلاته)
وللنسائي: (فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته) وللبيهقي:
(فليصل إليها أخرى) ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام
الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من
الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة وهو مبني على أن الكراهة
تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة قال الترمذي: وبهذا يقول الشافعي وأحمد
وإسحاق وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته
واحتج في ذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وادعى بعضهم أن
أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث.
قال الحافظ: وهي دعوى تحتاج إلى دليل وأنه لا يصار إلى
النسخ بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له
من النوافل انتهى. قلت: وهذا أيضًا جمع بما يوافق مذهب الحافظ والحق أن أحاديث
النهي عامة تشمل كل صلاة وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ولا يجوز في ذلك
الوقت شيء من الصلوات إلا بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها ومفهوم
الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه
ذهب الجمهور وقال البعض: أداء.
والحديث يرده واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة
كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل
تجب عليه الصلاة أم لا وفيه قولان للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملًا
بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك
جزءًا من الوقت فاستوى قليله وكثيره وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة
خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه
الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع
ويسجد سجدتين.
والحديث يدل على أن الصلاة التي أدركت منها ركعة قبل
خروج الوقت أداء لا قضاء وفي ذلك إشكالات عند أئمة الأصول.
قوله: (سجدة) المراد بها الركعة كما ذكره المصنف
ومسلم في صحيحه وقد ثبت عند الإسماعيلي بلفظ ركعة مكان سجدة فدل على أن الاختلاف
في اللفظ وقع من الرواة وقد ثبت أيضًا عند البخاري من طريق مالك بلفظ: (من
أدرك ركعة) قال الحافظ: ولم يختلف على راويها في ذلك فكان عليها الاعتماد قال الخطابي:
المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها بسجودها فسميت
على هذا سجدة انتهى. وإدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما
ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (من أدرك ركعة
من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهو أعم من حديث الباب. قال الحافظ: ويحتمل أن
تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلًا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق
وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد انتهى.
ويمكن أن يقال إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك
الحكم بالفجر والعصر وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في
ذلك والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست
منافية للمزيد.
قال النووي: وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد
التأخير إلى هذا الوقت انتهى. وقد قدمنا الكلام على اختصاص هذا الوقت بالمضطرين
في أوائل الأوقات فارجع إليه.
3 - وعن أبي ذر: (قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة أو يؤخرون الصلاة عن
وقتها قلت: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك
نافلة) في رواية (فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل) وفي أخرى (فإن
أدركتك يعني الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي).
رواه أحمد ومسلم والنسائي.
قوله: (يميتون الصلاة) أي يؤخرونها فيجعلونها
كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن
المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم
يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع.
قوله: (فإن أدركتها) الخ معناه صل في أول الوقت
وتصرف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك وإن أدركت الصلاة معهم
فصل معهم وتكون هذه الثانية لك نافلة.
الحديث يدل على مشروعية الصلاة لوقتها وترك الإقتداء
بالأمراء إذا أخروها عن أول وقتها وإن المؤتم يصليها منفردًا ثم يصليها مع الإمام
فيجمع بين فضيلة أول الوقت وطاعة الأمير.
ويدل على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق
الكلمة وتقع الفتنة ولهذا ورد في الرواية الأخرى (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع
وإن كان عبدًا مجدع الأطراف).
وقوله: (فإنها لك نافلة) صريح أن الفريضة الأولى
والنافلة الثانية. وقد اختلف في الصلاة التي تصلى مرتين هل الفريضة الأولى أو
الثانية فذهب الهادي والأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الفريضة الثانية إن كانت
في جماعة والأولى في غير جماعة وذهب المؤيد باللَّه والإمام يحيى وأبو حنيفة
وأصحابه والشافعي إلى أن الفريضة الأولى وعن بعض أصحاب الشافعي أن الفرض
أكملهما.
وعن بعض أصحاب الشافعي أيضًا أن الفرض أحدهما على
الإبهام فيحتسب اللَّه بأيتهما شاء. وعن الشعبي وبعض أصحاب الشافعي أيضًا كلاهما
فريضة.
- احتج الأولون - بحديث يزيد بن عامر عند أبي داود مرفوعًا
وفيه: (فإذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم وإن كنت صليت ولتكن لك
نافلة) وهذه مكتوبة. ورواه الدارقطني بلفظ: (وليجعل التي صلى في بيته
نافلة) وأجيب بأنها رواية شاذة مخالفة لرواية الحفاظ الثقات كما قال البيهقي وقد
ضعفها النووي وقال الدارقطني: هي رواية ضعيفة شاذة.
واستدل القائلون بأن الفريضة هي الأولى سواء كانت جماعة
أو فرادى بحديث يزيد بن الأسود عند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني
وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن بلفظ: (شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذ هو برجلين في
آخر القوم لم يصليا معه فقال: عليَّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال: ما
منعكما أن تصليا معنا فقالا: يا رسول اللَّه إنا كنا صلينا في رحالنا قال: فلا
تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة)
قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه
ولا لابنه جابر راو غير يعلى. قال الحافظ: يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه
النسائي وغيره وقال: وقد وجدنا لجابر راويًا غير يعلى أخرجه ابن منده في
المعرفة.
ومن حجج أهل القول الثاني حديث الباب فإنه صريح في
المطلوب ولأن تأدية الثانية بنية الفريضة يستلزم أن يصلي في يوم مرتين وقد ورد
النهي عنه من حديث ابن عمر مرفوعًا: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) عند أبي
داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان. وأما جعله مخصصًا بما يحدث فيه فضيلة فدعوى
عاطلة عن البرهان وكذا حمله على التكرير لغير عذر.
وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر
وسائر الصلوات لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق
بين صلاة وصلاة فيكون مخصصًا لحديث لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر ولأصحاب الشافعي
وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر تمسكًا بعموم حديث (لا صلاة) ووجه أنه لا يعيد
بعد المغرب لئلا تصير شفعًا.
قال النووي: وهو ضعيف. قلت: وكذلك الوجه الأول لأن
الخاص مقدم على العام وهم يوجبون بناء العام على الخاص مطلقًا كما تقرر في الأصول
لهم واحتج من قال بأنهما فريضة بعدم المخصص بالاعتداد بأحدهما ورد بحديث: (لا
ظهران في يوم) وحديث: (لا تصلى صلاة في يوم مرتين).
4 - وعن عبادة بن الصامت: (عن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب
وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل: يا رسول اللَّه أصلي معهم فقال: نعم إن شئت).
رواه أبو داود وأحمد بنحوه. وفي لفظ: (واجعلوا
صلاتكم معهم تطوعًا).
الحديث رجال إسناده في سنن أبي داود ثقات وقد أخرجه
أيضًا ابن ماجه وسكت أبو داود والمنذري عن الكلام عليه وقد عرفت ما أسلفناه عن ابن
الصلاح والنووي وغيرهما من صلاحية ما سكت عنه أبو داود للاحتجاج.
وحديث أبي ذر الذي قبله يشهد لصحته. وفيه دليل على
وجوب تأدية الصلاة لوقتها وترك ما عليه أمراء الجور من التأخير وعلى استحباب
الصلاة معهم لأن الترك من دواعي الفرقة وعدم الوجوب لقوله في هذا الحديث: (إن
شئت) وقوله: (تطوعًا) وقد تقدم الكلام على فقه الحديث قال المصنف رحمه
اللَّه تعالى: وفيه دليل لمن رأى المعادة نافلة ولمن لم يكفر تارك الصلاة ولمن أجاز
إمامة الفاسق انتهى.
استنبط المؤلف من هذا الحديث والذي قبله ثلاثة أحكام وقد
تقدم الكلام على الأول منها في شرح حديث أبي ذر وعلى الثاني في أول كتاب الصلاة
وأما الثالث فلعله يأتي الكلام عليه إن شاء اللَّه تعالى في الجماعة. والحق جواز
الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث: (لا يؤمنكم ذو جراءة
في دينه) وحديث: (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمنًا) ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة
وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق كحديث: (صلوا مع من قال لا إله
إلا اللَّه) وحديث: (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما ضعيفة أيضًا ولكنها
متأيدة بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره فلا تنتقل عن هذا
الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلة وليس المقام
مقام بسط الكلام في ذلك.
==========
الجزء الثاني
تابع كتاب الصلاة
// باب قضاء
الفوائت
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
-1 عن أنس بن مالك: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك).
متفق عليه.
ولمسلم: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها
فليصلها إذا ذكرها فإن اللَّه عز وجل يقول {أقم الصلاة لذكري}).
2 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن اللَّه تعالى يقول {أقم الصلاة لذكري}).
رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
قوله (من نسي) تمسك بدليل الخطاب من قال إن العامد
لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه إن من لم ينس لا
يصلي وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي وحكاه في البحر عن ابني
الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر: قال ابن تيمية حفيد المصنف: والمنازعون
لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون لا يجب القضاء إلا بأمر
جديد وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط بل ننازع في قبول القضاء
منه وصحة الصلاة في غير وقتها وأطال البحث في ذلك واختار ما ذكره داود ومن معه
والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد وهم من
عدا من ذكرنا على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل
العظيم إلا حديث (فدين اللَّه أحق أن يقضى) باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس
المضاف من العموم ـ وأيضًا عمومات الأدلة القاضية بالقضاء على من أفطر في رمضان
وغير ذلك ولا فرق بين الصلاة والصيام في الوجوب على أن الصلاة لا تسقط بخلاف
الصيام فهي أولى بالقضاء ـ. ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا وأنهض ما جاؤوا به في
هذا المقام قولهم إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها
وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدل بفحوى
الخطاب وقياس الأولى على المطلوب وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد
أنه أخف حالًا من الناسي بل صرح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط
الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النص عبثًا بخلاف الناسي والنائم فقد
أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه ومن جملة حججهم
أن قوله في الحديث (لا كفارة لها إلا ذلك) يدل على العامد مراد بالحديث لأن
النائم والناسي لا إثم عليهما قالوا: فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم
لا ومنه قوله تعالى {نسوا اللَّه فنسيهم} وقوله تعالى {نسوا اللَّه فأنساهم
أنفسهم} ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم
لعدم الإثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرحت بوجوب ذلك
عليهما وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال وقال: الكفارة قد تكون عن
الخطأ كما تكون عن العمد على أنه قد قيل أن المراد بالكفارة هي الإتيان بها
تنبيهًا على أنه لا يكفي مجرد التوبة والاستغفار من دون فعل لها. وقد أنصف ابن
دقيق العيد فرد جميع ما تشبثوا به والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من
عموم حديث (فدين اللَّه أحق أن يقضى) لا سيما على قول من قال: إن وجوب
القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدال على وجوب الأداء فليس عنده في وجوب القضاء على
العامد فيما نحن بصدده تردد لأنه يقول المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه
تأديتها فصارت دينًا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه إذا عرفت هذا علمت أن المقام
من المضايق وأن قول النووي في شرح مسلم بعد حكاية قول من قال لا يجب القضاء على
العامد أنه خطأ من قائله وجهالة من الإفراط المذموم. وكذلك قول المقبلي في
المنار أن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة إلى آخر كلامه من
التفريط.
قوله (لا كفارة لها إلا ذلك) استدل بالحصر الواقع في
هذه العبارة على الاكتفاء بفعل الصلاة عند ذكرها وعدم وجوب إعادتها عند حضور وقتها
من اليوم الثاني وسيأتي الكلام على ذلك عند الكلام على حديث عمران بن حصين من آخر
هذا الباب. والأمر بفعلها عند الذكر يدل على وجوب المبادرة بها فيكون حجة لمذهب
من قال بوجوبه على الفور وهو الهادي والمؤيد باللَّه والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف
والمزني والكرخي. وقال القاسم ومالك والشافعي: وروي عن المؤيد باللَّه أنه على
التراخي واستدلوا في قضاء الصلاة بما في بعض الروايات حديث نوم الوادي من أنه لما
استيقظ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد فوات الصلاة بالنوم أخر قضائها
واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي ورد بأن التأخير لمانع آخر وهو ما دل عليه
الحديث بأن ذلك الوادي كان به شيطان ولأهل القول الأول حجج غير مختصة بقضاء الصلاة
وكذلك أهل القول الآخر. واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان
لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء وإن لزم باصطلاح الأصول
لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى
ينتهض دليل يدل على القضاء. والحديثان يدلان على وجوب فعل الصلاة إذا فاتت بنوم
أو نسيان وهو إجماع.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق حديث أبي
هريرة: وفيه أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور وأنها تقضى في أوقات النهي وغيرها
وأن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها لقوله (لا كفارة لها
إلا ذلك) وفيه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه انتهى.
3 - وعن أبي قتادة قال: (ذكروا للنبي صلى اللَّه
عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة
فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها).
رواه النسائي والترمذي وصححه.
الحديث أخرجه أيضًا أبو داود من حديثه. قال الحافظ:
وإسناده على شرط مسلم ورواه مسلم بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر ولفظه:
(ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة
الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حتى ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها) الحديث
يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ولا ينافيه إيجاب الضمان عليه لما
أتلفه وإلزامه أرش ما جناه لأن ذلك من الأحكام الوضعية لا التكليفية وأحكام الوضع
تلزم النائم والصبي والمجنون بالاتفاق.
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول
وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه. وقيل إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ
ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثمًا
والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث
وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك ولا شك في إثم من نام
بعد تضيق الوقت لتعلق الخطاب به والنوم مانع من الامتثال والواجب إزالة المانع وقد
تقدم الكلام على قوله في الحديث (فإذا نسي أحدكم صلاة) الخ.
4 - وعن أبي قتادة في قصة نومهم عن صلاة الفجر قال:
(ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ركعتين ثم صلى
الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم).
رواه أحمد ومسلم.
- الحديث أورده مسلم مطولًا وذكر فيه قصة أبي قتادة مع
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في نومه على راحلته وأن أبا قتادة دعمه ثلاث
مرات. وأخرج النسائي وابن ماجه طرفًا منه.
قوله (ثم أذن بلال) فيه استحباب الأذان للصلاة
الفائتة.
قوله (فصلى) الخ فيه استحباب قضاء السنة الراتبة لأن
الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح.
قوله (كما كان يصنع كل يوم) فيه إشارة إلى أن صفة
قضاء الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها وإلى ذلك ذهب
الشافعية وسيأتي الكلام على القنوت وتحقيق ما هو الحق فيه. ويؤخذ منه أيضًا أنه
يجهر في الصبح المقضية بعد طلوع الشمس. ولهذا قال المصنف رحمه اللَّه: وفيه
دليل على الجهر في قضاء الفجر نهارًا انتهى. وقال بعض أصحاب الشافعي: إنه يسن فقط
وحمل قوله (كما كان يصنع) على الأفعال فقط وفيه ضعف.
5 - وعن عمران بن حصين قال: (سرينا مع النبي صلى
اللَّه عليه وسلم فلما كان في آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى أيقظنا حر الشمس
فجعل الرجل منا يقوم دهشًا إلى طهوره ثم أمر بلالًا فأذن ثم صلى الركعتين قبل
الفجر ثم أقام فصلينا فقالوا: يا رسول اللَّه ألا نعيدها في وقتها من الغد
فقال: أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم).
رواه أحمد في مسنده.
- الحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وابن
أبي شيبة والطبراني وأخرجه البخاري ومسلم مطولًا عن أبي رجاء العطاردي عن عمران
وليس فيهما ذكر الأذان والإقامة ولا قوله فقالوا: يا رسول اللَّه ألا نعيدها إلى
آخره. وأخرجه أبو داود من حديث الحسن عن عمران وفيه ذكر الأذان والإقامة دون
قوله فقالوا يا رسول اللَّه إلى آخر الحديث المذكور ولكنه أخرج هذه الزيادة التي
في حديث الباب النسائي وذكرها الحافظ في الفتح واحتج بها ويعارضها ما في صحيح مسلم
من حديث أبي قتادة بلفظ: (فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها) وما في سنن أبي
داود من حديث عمران بن حصين بلفظ: (من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحًا
فليقض مثلها) ويشهد لصحة تلك الرواية ما تقدم في أول الباب من حديث أنس بلفظ:
(لا كفارة لها إلا ذلك) ويدل على صحتها إجماع المسلمين على عدم وجوب قضاء تلك
الصلاة التي فعلها النائم عند استيقاظه والساهي عند ذكره إذا حضر وقتها كما صرح
بذلك الخطابي والحافظ ابن حجر والمعارضة برواية مسلم السابقة غير صحيحة لاحتمال أن
يريد بقوله (فليصلها عند وقتها) أي الصلاة التي تحضر لأنه ربما توهم أن وقتها
قد تحول إلى ذلك الوقت الذي ذكرها فيه ولا يريد أنه يعيد الصلاة بعد خروج وقتها
ذكر معنى ذلك النووي والحافظ وغيرهما. وأما رواية أبي داود فقال الحافظ: إنها
خطأ من راويها قال: وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. وقد ذكر الحافظ في
الفتح أنه رواها أبو داود من حديث عمران بن حصين ورأيناها في السنن من حديث أبي
قتادة الأنصاري ولم يتفرد بها عمران حتى يقال في تضعيفها إنها من رواية الحسن
عنه. وقد صرح علي بن المديني وأبو حاتم وغيرهما أن الحسن لم يسمع منه ولكنها لا
تنتهض لمعارضة حديث الباب بعد تأييده بما أسلفنا لا سيما بعد تصريح الحافظ بأنها
خطأ.
قال المصنف رحمه اللَّه بعد سياقه لحديث الباب: فيه
دليل على أن الفائتة يسن لها الأذان والإقامة والجماعة وإن النداءين مشروعان في
السفر وإن السنن الرواتب تقضى انتهى.
قوله (عرسنا) التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم
والاستراحة هكذا قاله الخليل. وقال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو
نهار.
قوله (فأذن ثم أقام) سيأتي الكلام على الأذان
والإقامة في القضاء في باب من عليه فائتة آخر الأذان إن شاء اللَّه تعالى.
باب الترتيب
في قضاء الفوائت
1 - عن جابر بن عبد اللَّه: (أن عمر جاء يوم الخندق
بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول اللَّه ما كدت أصلي العصر
حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: واللَّه ما صليتها فتوضأ
وتوضأنا فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب).
متفق عليه.
قوله (عن جابر) قد اتفق الحفاظ من الرواة أن هذا
الحديث من رواية جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه
رواه عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير فقال فيه: عن جابر عن عمر فجعله في
مسند عمر. قال الحافظ: تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف.
قوله (يسب كفار قريش) لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم
الصلاة عن وقتها.
قوله (ما كدت) لفظة كاد من أفعال المقاربة فإذا قلت
كاد زيد يقوم فهم منه أنه قارب القيام ولم يقم كما تقرر في النحو.
والحديث يدل على وجوب قضاء الصلاة المتروكة لعذر
الاشتغال بالقتال وقد وقع الخلاف في سبب ترك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
وأصحابه لهذه الصلاة فقيل تركوها نسيانًا وقيل شغلوا فلم يتمكنوا وهو الأقرب كما
قال الحافظ. وفي سنن النسائي عن أبي سعيد أن ذلك قبل أن ينزل اللَّه في صلاة
الخوف {فرجالًا أو ركبانًا} وسيأتي الحديث.
وقد استدل بهذا الحديث على وجوب الترتيب بين الفوائت
المقضية والمؤداة فأبو حنيفة ومالك والليث والزهري والنخعي وربيعة قالوا بوجوب
تقديم الفائتة على خلاف بينهم. وقال الشافعي والهادي والقاسم: لا يجب. ولا
ينتهض استدلال الموجبين بالحديث للمطلوب لأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب.
قال الحافظ: إلا أن يستدل بعموم قوله صلى اللَّه عليه
وآله وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) فيقوى قال: وقد اعتبر ذلك الشافعية في
أشياء غير هذه انتهى. وقد استدل للموجبين أيضًا بأن توقيت المقضية بوقت الذكر
أضيق من توقيت المؤداة فيجب تقديم ما تضيق. والخلاف في جواز التراخي إنما هو في المطلقات
لا المؤقتات المضيقة. وقد اختلف أيضًا في الترتيب بين المقضيات أنفسها وسنذكره
في شرح الحديث الآتي.
2 - وعن أبي سعيد قال: (حبسنا يوم الخندق عن الصلاة
حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل كفينا وذلك قول اللَّه عز وجل {وكفى اللَّه
المؤمنين القتال وكان اللَّه قويًا عزيزًا} قال: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم بلالًا فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره
فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام المغرب
فصلاها كذلك قال: وذلك قبل أن ينزل اللَّه عز وجل في صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالًا
أو ركبانًا}).
رواه أحمد والنسائي ولم يذكر المغرب.
الحديث رجال إسناده رجال الصحيح وسيأتي ذكر من صححه.
وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود عند الترمذي والنسائي
بلفظ: (إن المشركين شغلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أربع صلوات يوم
الخندق) وساقا نحو الحديث. وأخرج نحوه مالك في الموطأ.
قوله (بهوى) الهوى بفتح الهاء وكسر الواو وبياء
مشددة السقوط والمراد بعد دخول طائفة من الليل.
والحديث يدل على وجوب قضاء الصلاة المتروكة لعذر
الاشتغال بحرب الكفار ونحوهم لكن إنما كان هذا قبل شرعية صلاة الخوف كما في آخر
الحديث والواجب بعد شرعيتها على من حبس بحرب العدو أن يفعلها. وقد ذهب الجمهور
إلى أن هذا منسوخ بصلاة الخوف وذهب مكحول وغيره من الشاميين إلى جواز تأخير صلاة
الخوف إذا لم يتمكن من أدائها والصحيح الأول لما في آخر هذا الحديث والحديث مصرح بأنها
فائتة صلاة الظهر والعصر وحديث جابر المتقدم مصرح بأنها العصر وحديث عبد اللَّه بن
مسعود مصرح بأنها أربع صلوات فمن الناس من اعتمد الجمع فقال: إن وقعة الخندق
بقيت أيامًا فكان في بعض الأيام الفائت العصر فقط وفي بعضها الفائت العصر والظهر
وفي بعضها الفائت أربع صلوات ذكره النووي وغيره. ومن الناس من اعتمد الترجيح
فقال: إن الصلاة التي شغل عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم واحدة وهي
العصر ترجيحًا لما في الصحيحين على ما في غيرهما ذكره أبو بكر ابن العربي قال ابن
سيد الناس: والجمع أرجح لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي
حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال:
وهذا إسناد صحيح جليل انتهى. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما
وصححه ابن السكن وقد تقدم نحو هذا في باب الصلاة الوسطى على أن حديث الباب ونحوه
متضمن للزيادة فالمصير إليه متحتم واقتصار الراوي على ذكر العصر فقط لا يقدح في
قول غيره أنها العصر والظهر أو الأربع الصلوات وغايته أنه روى ما علم وترك ما لم
يعلم ومن علم حجة على من لم يعلم ولا يحتاج إلى الجمع بتعدد واقعة الخندق مع
هذا.
والحديث أيضًا يدل على الترتيب بين الفوائت المقضية وقد
قال بوجوبه زيد بن علي والناصر وأبو حنيفة وقال الشافعي والهادي والإمام يحيى:
إنه غير واجب وهو الظاهر لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب إلا أن يستدل بعموم
قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) كما سبق ولكنه غير
خالص عن شوب اعتراض ومعارضة.
وفي الحديث دليل على استحباب قضاء الفوائت في الجماعة
وخالف فيه الليث بن سعد والحديث يرد عليه.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وفيه دليل على الإقامة للفوائت
وعلى أن صلاة النهار وإن قضيت ليلًا لا يجهر فيها. وعلى أن تأخيره يوم الخندق
نسخ بشرع صلاة الخوف انتهى.
أبواب
الأذان
الأذان لغة الإعلام نقل ذلك النووي في شرح مسلم عن أهل
اللغة.
وشرعًا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة وهو مع قلة
ألفاظه مشتمل على مسائل العقائد كما بين ذلك الحافظ في الفتح نقلًا عن القرطبي.
وقد اختلف في الأفضل من الأذان والإمامة وسيأتي ما يرشد إلى الصواب. وقد اختلف
في أي وقت كان ابتداء شرعية الأذان فقيل نزل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم مع فرض الصلاة وقد روى ذلك ابن حبان عن ابن عباس بإسناد فيه عبد العزيز بن
عمران وهو ممن لا تقوم به حجة. وعند الدارقطني من حديث أنس. قال الحافظ:
وإسناده ضعيف. وعند الطبراني عن ابن عمر وذكر أنه في ليلة الإسراء وفي إسناده
طلحة بن زيد وهو متروك. وعند ابن مردويه من حديث عائشة مثله وفيه من لا يعرف.
وعند البزار وغيره عن علي رضي اللَّه عنه وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود
وهو متروك. قال الحافظ: والحق أنه لا يصح شيء من هذه وقد أطال الكلام في ذلك
في الفتح فليرجع إليه. وقيل كان فرض الأذان عند قدوم المسلمين المدينة لما ثبت
عند البخاري ومسلم والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي من حديث عبد اللَّه بن عمر
قال: (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها
أحد فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى وقال
بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود قال: فقال عمر: ألا تبعثون رجلًا ينادي
بالصلاة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (يا بلال قم فناد بالصلاة)
وهذا أصح ما ورد في تعيين ابتداء وقت الأذان.
باب وجوبه
وفضيلته
1 - عن أبي الدرداء قال: (سمعت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ
عليهم الشيطان).
رواه أحمد.
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم
وقال: صحيح الإسناد ولكن لفظ أبي داود: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا
تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب
القاصية) الحديث استدل به على وجوب الأذان والإقامة لأن الترك الذي هو نوع من
استحواذ الشيطان يجب تجنبه. وإلى وجوبهما ذهب أكثر العترة وعطاء وأحمد بن حنبل
ومالك والأصطخري كذا في البحر ومجاهد والأوزاعي وداود كذا في شرح الترمذي وقد حكى الماوردي
عنهم تفصيلًا في ذلك فحكى عن مجاهد أن الأذان والإقامة واجبان معًا لا ينوب أحدهما
عن الآخر فإن تركهما أو أحدهما فسدت صلاته. وقال الأوزاعي: يعيد إن كان وقت
الصلاة باقيًا وإلا لم يعد. وقال عطاء: الإقامة واجبة دون الأذان فإن تركها
لعذر أجزأه ولغير عذر قضى. وفي البحر أن القائل بوجوب الإقامة دون الأذان
الأوزاعي وروي عن أبي طالب أن الأذان واجب دون الإقامة. وعند الشافعي وأبي حنيفة
أنهما سنة واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أقوال: الأول أنهما سنة. الثاني فرض
كفاية. الثالث سنة في غير الجمعة وفرض كفاية فيها. وروى ابن عبد البر عن مالك
وأصحابه أنهما سنة مؤكدة واجبة على الكفاية. وقال آخرون: الأذان فرض على الكفاية.
ومن أدلة الموجبين للأذان قوله في حديث مالك بن الحويرث الآتي: (فليؤذن لكم
أحدكم) وفي لفظ للبخاري: (فأذنا ثم أقيما) ومنها حديث أنس المتفق عليه
بلفظ: (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) والآمر له النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كما سيأتي ومنها ما في حديث عبد اللَّه بن زيد الآتي من قوله:
(إنها لرؤيا حق إن شاء اللَّه ثم أمر بالتأذين) وما سيأتي من قوله صلى اللَّه
عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص (اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا) ومنها
حديث أنس عند البخاري وغيره قال: (إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أغزى
بنا قومًا لم يكن يغزينا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانًا كف عنهم وإن لم يسمع
أذانًا أغار عليهم) ومنها طول الملازمة من أول الهجرة إلى الموت لم يثبت أنه ترك
ذلك في سفر ولا حضر إلا يوم المزدلفة فقد صحح كثير من الأئمة أنه لم يؤذن فيها
وإنما أقام على أنه قد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود أنه صلى اللَّه عليه وسلم
صلاهما في جمع بأذانين وإقامتين وبهذا الترك على ما فيه من الخلاف احتج من قال
بعدم الوجوب وخص بعض القائلين بالوجوب الرجال بوجوبهما ولم يوجبهما على النساء
استدلالًا بحديث (ليس على النساء أذان ولا إقامة) عند البيهقي من حديث ابن عمر
بإسناد صحيح إلا أنه قال ابن الجوزي: لا يعرف مرفوعًا. وقد رواه البيهقي وابن
عدي من حديث أسماء مرفوعًا وفي إسناده الحكم بن عبد اللَّه الأيلي وفيه ضعف
جدًا. وبحديث (النساء عي وعورات فاستروا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت).
2 - وعن مالك بن الحويرث: (أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم قال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
متفق عليه.
- قوله (أحدكم) يدل على أنه لا يعتبر السن والفضل في
الأذان كما يعتبر في إمامة الصلاة. وقد استدل بهذا من قال بأفضلية الإمامة على
الأذان لأن كون الأشرف أحق بها مشعر بمزيد شرف لها. وفي لفظ للبخاري: (فإذا أنتما
خرجتما فأذنا) ولا تعارض بينه وبين ما في حديث الباب لأن المراد بقوله أذنا أي
من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل.
والحديث استدل به من قال بوجوب الأذان لما فيه من صيغة
الأمر وقد تقدم الخلاف في ذلك.
3 - وعن معاوية: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة).
رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وفي الباب عن أبي هريرة وابن الزبير بألفاظ مختلفة.
قوله (أطول الناس أعناقًا) هو بفتح الهمزة جمع عنق
واختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة اللَّه لأن
المتشوف يطيل عنقه لما يتطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب وقال النضر بن
شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق.
وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق. وقيل معناه أكثر
إتباعًا وقال ابن الأعرابي: أكثر الناس أعمالًا قال القاضي عياض وغيره: وروى
بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة أي إسراعًا إلى الجنة وهو من سير العنق قال ابن أبي
داود: سمعت أبي يقول: معناه أن الناس يعطشون يوم القيامة فإذا عطش الإنسان
انطوت عنقه والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة. وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي
هريرة: (يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة) زاد السراج لقولهم (لا إله إلا
اللَّه) وظاهره الطول الحقيقي فلا يجوز المصير إلى التفسير بغيره إلا لملجئ.
والحديث يدل على فضيلة الأذان وأن صاحبه يوم القيامة
يمتاز عن غيره ولكن إذا كان فاعله غير متخذ أجرًا عليه وإلا كان فعله لذلك من طلب
الدنيا والسعي للمعاش وليس من أعمال الآخرة. وقد استدل بهذا الحديث من قال إن
الأذان أفضل من الإمامة وهو نص الشافعي في الأم وقول أكثر أصحابه. وذهب بعض
أصحابه إلى أن الإمامة أفضل وهو نص الشافعي أيضًا قاله النووي. وبعضهم ذهب إلى
أنهما سواء وبعضهم إلى أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل
وإلا فالأذان قاله أبو علي وأبو القاسم بن كج والمسعودي والقاضي حسين من أصحاب
الشافعي.
واختلف في الجمع بين الأذان والإمامة فقال جماعة من
أصحاب الشافعي: إنه يستحب أن لا يفعله. وقال بعضهم: يكره وقال محققوهم
وأكثرهم: لا بأس به بل يستحب. قال النووي: وهذا أصح وفي البيهقي مرفوعًا من
حديث جابر النهي عن ذلك قال الحافظ: لكن سنده ضعيف.
4 - وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللَّهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين).
رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
- الحديث رواه الشافعي من طريق إبراهيم بن أبي يحيى وابن
حبان وابن خزيمة كلهم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. وأخرجه من
ذكر المصنف عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. وروي أيضًا عن أبي صالح عن
عائشة قال أبو زرعة: حديث أبي هريرة أصح من حديث عائشة. وقال محمد عكسه وذكر
علي بن المديني أنه لم يثبت واحد منهما. وقال أيضًا: لم يسمع سهيل هذا الحديث
من أبيه إنما سمعه من الأعمش ولم يسمعه الأعمش من أبي صالح بيقين لأنه يقول فيه
نبئت عن أبي صالح وكذا قال البيهقي في المعرفة. وقال الدارقطني في العلل: رواه
سليمان وروح بن القاسم ومحمد بن جعفر وغيره عن سهيل عن الأعمش قال: وقال أبو بدر
عن الأعمش حدثت عن أبي صالح وقال ابن فضيل عنه عن رجل عن أبي صالح. وقال
الثوري: لم يسمع الأعمش هذا الحديث من أبي صالح وصحح حديث أبي هريرة جميعًا ابن
حبان وقال: قد سمع أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبي هريرة جميعًا. وقال
ابن عبد الهادي أخرج مسلم بهذا الإسناد يعني سهيلًا عن أبيه نحوًا من أربعة عشر
حديثًا.
وفي الباب عن ابن عمر أخرجه أبو العباس السراج وصححه
الضياء في المختارة. وعن أبي أمامة عند أحمد. وعن جابر عند ابن الجوزي في
العلل. ورواه البزار عن أبي هريرة وزاد فيه بذلك الإسناد: (قالوا: يا رسول
اللَّه لقد تركتنا نتنافس في الأذان فقال: إنه يكون بعدكم قومًا سفلتهم مؤذنوهم)
قال الدارقطني: هذه الزيادة ليست محفوظة وأشار ابن القطان إلى أن البزار هو
المنفرد بها قال الحافظ: وليس كذلك فقد جزم ابن عدي بأنها من أفراد أبي حمزة
وكذا قال الخليلي وابن عبد البر وأخرجه البيهقي من غير طريق البزار فبرئ من
عهدتها. وأخرجها ابن عدي في ترجمة عيسى بن عبد اللَّه عن يحيى بن عيسى الرملي عن
الأعمش واتهم بها عيسى وقال: إنما تعرف هذه الزيادة بأبي حمزة. قال ابن
القطان: أبو حمزة ثقة ولا عيب للإسناد إلا ما ذكر من الانقطاع ويجاب عنه بأن
الواسطة قد عرفت وهو الأعمش كما تقدم فلا يضر هذا الانقطاع ولا تعد علة وأما
الانقطاع الثاني بين الأعمش وأبي صالح الذي تقدم فيه قوله عن رجل فيجاب عنه بأن
ابن نمير قد قال عن الأعمش عن أبي صالح ولا أراني إلا قد سمعته منه. وقال
إبراهيم بن حميد الرواسي: قال الأعمش وقد سمعته من أبي صالح. وقال هشيم عن
الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة ذكر ذلك الدارقطني فبينت هذه الطرق أن الأعمش
سمعه عن غير أبي صالح ثم سمعه منه. قال اليعمري: والكل صحيح والحديث متصل.
قوله (الإمام ضامن) الضمان في اللغة الكفالة والحفظ
والرعاية والمراد أنهم ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار حكي ذلك عن الشافعي في
الأم. وقيل المراد ضمان الدعاء أن يعم القوم به ولا يخص نفسه. وقيل لأنه يتحمل
القيام والقراءة عن المسبوق. وقال الخطابي: معناه أنه يحفظ على القوم صلاتهم
وليس من الضمان الموجب للغرامة.
قوله (والمؤذن مؤتمن) قيل المراد أنه أمين على
مواقيت الصلاة. وقيل أمين على حرم الناس لأنه يشرف على المواضع العالية.
والحديث استدل به على فضيلة الأذان وعلى أنه أفضل من
الإمامة لأن الأمين أرفع حالًا من الضمين وقد تقدم الخلاف في ذلك ويؤيد قول من قال
إن الإمامة أفضل أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين بعده أموا
ولم يؤذنوا وكذا كبار العلماء بعدهم.
5 - وعن عقبة بن عامر قال: (سمعت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يقول: يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في شظية بجبل يؤذن
للصلاة ويصلي فيقول اللَّه عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني
فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة).
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
- الحديث رجال إسناده ثقات وقد أخرجه أيضًا سعيد بن
منصور والطبراني والبيهقي وفي البخاري والموطأ والنسائي بلفظ: (إذا كنت في
غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا
إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) قال أبو سعيد: سمعته من رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم وأخرج عبد الرزاق والمقدسي والنسائي في المواعظ من سننه عن
سلمان رفعه: (إذا كان الرجل في أرض في أي قفر فتوضأ فإن لم يجد الماء تيمم ثم
ينادي بالصلاة ثم يقيمها ويصليها إلا أم من جنود اللَّه صفًا) ورواه عبد الرزاق
وابن أبي شيبة عن معتمر التيمي عن أبيه وروى نحوه البيهقي والطبراني في الكبير.
والحديث يدل على شرعية الأذان للمنفرد فيكون صالحًا لرد
قول من قال إن شرعية الأذان تختص بالجماعة وفيه أيضًا أن الأذان من أسباب المغفرة
للذنوب وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي
هريرة مرفوعًا بلفظ: (يغفر للمؤذن مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس) وفي
إسناده أبو يحيى الراوي له عن أبي هريرة. قال ابن القطان: لا يعرف وادعى ابن
حبان في الصحيح أن اسمه سمعان وقد رواه البيهقي من وجهين آخرين عن الأعمش قال تارة
عن أبي صالح وتارة عن مجاهد عن أبي هريرة ومن طريق أخرى عن مجاهد عن ابن عمر.
ورواه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب بلفظ: (المؤذن يغفر له مد صوته
ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه) وصححه ابن السكن ورواه أحمد
والبيهقي من حديث مجاهد عن ابن عمر.
وفي فضل الأذان أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما مصرحة
بعظيم فضله وارتفاع درجته وأنه من أجل الطاعات التي يتنافس فيها المتنافسون ولكن
بذلك الشرط الذي عرفناك في شرح حديث معاوية.
قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق حديث الباب: وفيه
دليل على أن الأذان يسن للمنفرد وإن كان بحيث لا يسمعه أحد. الشظية الطريقة
كالجدة انتهى. ويقال الشظية للقطعة المرتفعة من الجبل وهي بالظاء المعجمة.
باب صفة
الأذان
1 - عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه قال: (لما أجمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف
وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال: فقلت يا عبد اللَّه أتبيع
الناقوس قال: وما تصنع به قال: قلت ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على
خير من ذلك فقلت بلى قال: تقول اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر
أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه
أشهد أن محمدًا رسول اللَّه حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على
الفلاح اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه قال: ثم استأخر غير بعيد
قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة اللَّه أكبر اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا
اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد
قامت الصلاة اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه قال: فلما أصبحت أتيت
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأخبرته بما رأيت فقال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: إن هذه الرؤيا حق إن شاء اللَّه ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى
أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى الصلاة قال:
فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
نائم فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه
الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر).
رواه أحمد وأبو داود من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم
التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد عن أبيه وفيه: (فلما أصبحت أتيت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء
اللَّه فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتًا منك قال: فقمت مع بلال
فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وهو في
بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أرى فقال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فللَّه: الحمد) وروى الترمذي هذا الطرف منه
بهذه الطريق وقال: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث حسن صحيح.
الحديث أخرجه أيضًا من الطريقة الأولى الحاكم وقال:
هذه أمثل الروايات في قصة عبد اللَّه بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد
اللَّه بن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهري ومتابعة هؤلاء لمحمد
بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي تحتمله عنعنة ابن إسحاق. وأخرجه
أيضًا من الطريقة الثانية ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي وابن ماجه. قال
محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد اللَّه بن زيد أصح من حديث محمد بن إسحاق
عن محمد بن إبراهيم التيمي يعني هذا لأن محمدًا قد سمع من أبيه عبد اللَّه بن زيد
وقال ابن خزيمة في صحيحه: هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدًا من أبيه
وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلسه. وقد صحح هذه الطريقة البخاري فيما
حكاه الترمذي في العلل عنه. وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود من حديث محمد بن عمرو
الواقفي عن محمد بن عبد اللَّه عن عمه عبد اللَّه بن زيد ومحمد بن عمرو ضعيف
واختلف عليه فيه فقيل عن محمد بن عبد اللَّه. وقيل عبد اللَّه بن محمد. قال
ابن عبد البر: إسناده حسن من حديث الإفريقي قال الحاكم: وأما أخبار الكوفة في
هذه القصة يعني في تثنية الأذان والإقامة فمدارها على حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى
واختلف عليه فيه فمنهم من قال عن معاذ بن جبل. ومنهم من قال عن عبد اللَّه بن
زيد. ومنهم من قال غير ذلك.
الحديث فيه تربيع التكبير. وقد ذهب إلى ذلك الشافعي
وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي. ومن أهل البيت الناصر والمؤيد
باللَّه والإمام يحيى واحتجوا بهذا الحديث فإن المشهور فيه التربيع وبحديث أبي
محذورة الآتي. وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها
ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم.
وذهب مالك وأبو يوسف ومن أهل البيت زيد بن علي والصادق
والهادي والقاسم إلى تثنيته محتجين بما وقع في بعض روايات هذا الحديث من التثنية
وبحديث أبي محذورة الآتي في رواية مسلم عنه وفيه أن الأذان مثنى فقط وبأن التثنية
عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن وبحديث أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لبلال
بتشفيع الأذان وإيتار الإقامة وسيأتي. والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها
على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها.
وفي الحديث ذكر الشهادتين مثنى مثنى وقد اختلف الناس في
ذلك فذهب أبو حنيفة والكوفيون والهادوية والناصر إلى عدم استحباب الترجيع تمسكًا
بظاهر الحديث والترجيع هو العود إلى الشهادتين مرتين مرتين برفع الصوت بعد قولها
مرتين مرتين يخفض الصوت ذكر ذلك النووي في شرح مسلم. وفي كلام الرافعي ما يشعر
بأن الترجيع اسم للمجموع من السر والجهر. وفي شرح المهذب والتحقيق والدقائق
والتحرير أنه اسم للأول.
وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي
إلى أن الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة الآتي وهو حديث صحيح مشتمل على
زيادة غير منافية فيجب قولها وهو أيضًا متأخر عن حديث عبد اللَّه بن زيد. قال في
شرح مسلم: إن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد اللَّه بن
زيد في أول الأمر ويرجحه أيضًا عمل أهل مكة والمدينة به. قال النووي: وقد ذهب
جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه.
وفيه التثويب في صلاة الفجر لقول سعيد بن المسيب: فأدخلت
هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر. يعني قول بلال الصلاة خير من النوم وزاد
ابن ماجه فأقرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفي إسناده ضعف جدًا.
وروى أيضًا ابن ماجه وأحمد والترمذي من حديث بلال بلفظ: (لا تثويب في شيء من
الصلاة إلا في صلاة الفجر) وفيه أبو إسماعيل الملائي وهو ضعيف مع انقطاعه بين
عبد الرحمن بن أبي ليلى وبلال. قال ابن السكن: لا يصح إسناده. ورواه
الدارقطني من طريق أخرى وفيه أبو سعيد البقال وهو نحو أبي إسماعيل في الضعف.
وبيان الانقطاع بين ابن أبي ليلى وبلال أن ابن أبي ليلى مولده سنة سبع عشرة ووفاة
بلال سنة عشرين أو إحدى وعشرين بالشام وكان مرابطًا بها قبل ذلك من أوائل فتوحها
فهو شامي وابن أبي ليلى كوفي فكيف يسمع منه مع حداثة السن وتباعد الديار.
وقد روى إثبات التثويب من حديث أبي محذورة قال:
(علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الأذان وقال: إذا كنت في أذان
الصبح فقلت حيَّ على الفلاح فقل الصلاة خير من النوم) أخرجه أبو داود وابن حبان
مطولًا من حديثه وفيه هذه الزيادة وفي إسناده محمد بن عبد الملك ابن أبي محذورة
وهو غير معروف الحال والحارث بن عبيد وفيه مقال. وذكره أبو داود من طريق أخرى عن
أبي محذورة وصححه ابن خزيمة من طريق ابن جريج. ورواه النسائي من وجه آخر وصححه
أيضًا ابن خزيمة ورواه بقي بن مخلد. وروى التثويب أيضًا الطبراني والبيهقي
بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ: (كان الأذان بعد حيَّ على الفلاح الصلاة خير من
النوم مرتين) قال اليعمري: وهذا إسناد صحيح. وروى ابن خزيمة والدارقطني
والبيهقي عن أنس أنه قال: (من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حيَّ على الفلاح
قال الصلاة خير من النوم) قال ابن سيد الناس اليعمري ـ هو الحافظ أبو الفتح محمد
بن محمد سيد الناس اليعمري المتوفى سنة 734 هـ شرح سنن الترمذي شرحًا وافيًا ولم
يكمله. بلغ فيه دون ثلثيه في نحو عشر مجلدات ثم كمله الحافظ زين الدين عبد
الرحيم بن حسين العراقي المتوفى سنة 806 هـ. اهـ من الكشف ـ: وهو إسناد
صحيح.
وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان وعن نعيم النحام عند
البيهقي. وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن
البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب
الشافعي وهو رأي الشافعي في القديم ومكروه عنده في الجديد وهو مروي عن أبي حنيفة
واختلفوا في محله فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط وعن النخعي وأبي يوسف إنه سنة في
كل الصلوات وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح إنه يستحب في أذان العشاء وروي
عن الشعبي وغيره إنه يستحب في العشاء والفجر والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة
الصبح لا في غيرها فالواجب الاقتصار على ذلك والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما
صرح بذلك ابن عمر وغيره وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة
قال في البحر: أحدثه عمر فقال ابنه: هذه بدعة. وعن علي عليه السلام حين
سمعه: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة:
وبلال قلنا لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاوس سلمنا فأمر به إشعارًا في حال لا
شرعًا جمعًا بين الآثار انتهى ـ عبارة البحر هكذا في الأصل وفيها غموض كما لا يخفى
على المتأمل ولم نتمكن من مراجعة البحر لعدم وجود نسخ منه لدينا. واللَّه أعلم
ـ. وأقول: قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم والأمر به على
جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في
صلاة الظهر ورواية الإنكار عن علي عليه السلام بعد صحتها لا تقدح في مروي غيره لأن
المثبت أولى ومن علم حجة والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم والحديث ليس فيه
ذكر حيَّ على خير العمل. وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنه بعد قول المؤذن حيَّ
على الفلاح قالوا: يقول مرتين حيَّ على خير العمل ونسبه المهدي في البحر إلى أحد
قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية فإنا لم نجد في شيء منها هذه المقالة بل
خلاف ما في كتب أهل البيت قال في الانتصار:إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك
يعني في أن حيَّ على خير العمل ليس من ألفاظ الأذان وقد أنكر هذه الرواية الإمام
عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له إطلاع على كتب الشافعية.
ـ احتج القائلون بذلك ـ بما في كتب أهل البيت كأمالي
أحمد بن عيسى والتجريد والأحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندًا إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال في الأحكام: وقد صح لنا أن حيَّ على خير
العمل كانت على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يؤذن بها ولم تطرح إلا في
زمن عمر وهكذا قال الحسن بن يحيى روي ذلك عنه في جامع آل محمد وبما أخرج البيهقي
في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يؤذن بحيَّ على خير العمل
أحيانًا.
وروي فيها عن علي بن الحسين أنه قال: هو الأذان
الأول. وروى المحب الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك. قال المحب
الطبري: ورواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري
ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعًا.
وقول بعضهم وقد صحح ابن حزم والبيهقي والمحب الطبري
وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة ابن سهل موقوفًا
ومرفوعًا ليس بصحيح اللَّهم إلا أن يريد بقوله مرفوعًا قول علي بن الحسين هو
الأذان الأول ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع في شيء من كتب الحديث.
ـ وأجاب الجمهور ـ عن أدلة إثباته بأن الأحاديث الواردة
بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدل
على ثبوت ذلك قالوا: وإذا صح ما روي من أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث
الأذان لعدم ذكره فيها. وقد أورد البيهقي حديثًا في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت
النسخ بمثلها.
وفي الحديث إفراد الإقامة إلا التكبير في أولها وآخرها
وقد قامت الصلاة وقد اختلف الناس في ذلك وسنذكر ذلك وما هو الحق في شرح حديث أنس
الآتي بعد هذا.
قوله في الحديث (أن يضرب بالناقوس) هو الذي تضرب به
النصارى لأوقات صلاتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس.
قوله (حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح) اسم فعل
معناه أقبلوا إليها وهلموا إلى الفوز والنجاة وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء
السابقة المدغمة.
قوله (فإنه أندى صوتًا منك) أي أحسن صوتًا منك.
وفيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن حسن الصوت. وقد أخرج الدارمي وأبو الشيخ
بإسناد متصل بأبي محذورة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر بنحو عشرين
رجلًا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان. وأخرجه أيضًا ابن حبان من طريق
أخرى. ورواه ابن خزيمة في صحيحه قال الزبير بن بكار: كان أبو محذورة أحسن
الناس صوتًا وأذانًا. ولبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما ورب الكعبة المستورة ** وما تلا محمد من سوره
والنغمات من أبي محذورة ** لأفعلن فعلة مذكوره
وفي رواية للترمذي بلفظ: (فقم مع بلال فإنه أندى أو
أمد صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك) والمراد بقوله أو أمد صوتًا منك أي أرفع
صوتًا منك وفيه استحباب رفع الصوت بالأذان وسيذكر المصنف لذلك بابًا بعد هذا
الباب.
2 - وعن أنس قال: (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر
الإقامة إلا الإقامة).
رواه الجماعة.
وليس فيه للنسائي والترمذي وابن ماجه إلا الإقامة.
قوله (أمر بلال) هو في معظم الروايات على البناء
للمفعول. وقد اختلف أهل الأصول والحديث في اقتضاء هذه الصيغة للرفع والمختار عند
محققي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالآمر من له الأمر الشرعي الذي
يلزم إتباعه وهو الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا سيما في أمور العبادة فإنها
إنما تؤخذ عن توقيف ويؤيد هذا ما وقع في رواية روح عن عطاء (فأمر بلالًا)
بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأصرح من ذلك رواية النسائي
وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر
بلالًا) قال الحاكم: صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة قال الحافظ:
ولم يتفرد به فقد أخرجه أبو عوانة من طريق عبدان المروزي ويحيى بن معين كلاهما عن
عبد الوهاب وطريق يحيى عند الدارقطني أيضًا ولم يتفرد عبد الوهاب. وقد رواه
البلاذري من طريق أبي شهاب الحناط عن أبي قلابة وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في
أمر النداء والآمر بذلك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من غير شك. وقد روى
البيهقي فيه بالسند الصحيح عن أنس: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) لا ما حكي عن بعضهم من أن الآمر لبلال
بذلك كان من بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذ من المنقول أن بلالًا لم
يؤذن لأحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا لأبي بكر وقيل لم يؤذن لأحد
بعد موت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام.
قوله (أن يشفع الأذان) بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي
بألفاظه شفعًا وهو مفسر بقوله مثنى مثنى. قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة
التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها انتهى. فتكون أحاديث
تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة واحدة
كحديث عبد اللَّه بن زيد ونحوه.
قوله (إلا الإقامة) ادعى ابن منده والأصيلي أن قوله
إلا الإقامة من كلام أيوب وليس من الحديث وفيما قالاه نظر لأن عبد الرزاق رواه عن
معمر عن أيوب بسنده متصلًا بالخبر مفسرًا وكذا أبو عوانة في صحيحه والسراج في
مسنده والأصل أن كل ما كان من الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل. وفي
رواية أيوب زيادة من حافظ فلا يقدح في صحتها عدم ذكر خالد الحذاء لها وقد ثبت
تكرير لفظ قد قامت الصلاة في حديث ابن عمر مرفوعًا وسيأتي.
وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة فإنه يثنى
كما تقدم في حديث عبد اللَّه بن زيد وأجيب بأنه وتر بالنسبة إلى تكبير الأذان فإن
التكبير في أول الأذان أربع وهذا إنما يتم في تكبير أول الأذان لا في آخره كما قال
الحافظ. وأنت خبير بأن ترك استثنائه في هذا الحديث لا يقدح في ثبوته لأن روايات
التكرير زيادة مقبولة.
الحديث يدل على وجوب الأذان والإقامة وعلى أن الأذان
مثنى وقد تقدم الكلام على ذلك.
ويدل على إفراد الإقامة إلا الإقامة وقد اختلف الناس في
ذلك فذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلها
مفردة إلا التكبير في أولها وآخرها ولفظ قد قامت الصلاة فإنها مثنى مثنى واستدلوا بهذا
الحديث. وحديث ابن عمر الآتي: وحديث عبد اللَّه بن زيد السابق.
قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل
في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة
فرادى قال أيضًا: مذهب كافة العلماء أنه يكرر قوله قد قامت الصلاة إلا مالكًا
فإن المشهور عنه أنه لا يكررها. وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك. قال النووي:
ولنا قول شاذ إنه يقول في التكبير الأول اللَّه أكبر مرة وفي الأخير مرة ويقول قد
قامت الصلاة مرة. قال ابن سيد الناس: وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة
كلمة عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو
ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر. قال البيهقي: وممن قال بإفراد الإقامة
سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز. قال البغوي:
هو قول أكثر العلماء. وذهبت الحنفية والهادوية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة
إلى أن ألفاظ الإقامة مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين واستدلوا بهما
في رواية من حديث عبد اللَّه بن زيد عند الترمذي وأبي داود بلفظ: (كان أذان
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة) وأجيب
عن ذلك بأنه منقطع كما قال الترمذي وقال الحاكم والبيهقي: الروايات عن عبد
اللَّه بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة وقد تقدم ما في سماع ابن أبي ليلى عن عبد
اللَّه بن زيد. ويجاب عن هذا الانقطاع بأن الترمذي قال بعد إخراج هذا الحديث عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد اللَّه بن زيد ما لفظه: وقال شعبة عن عمرو بن مرة
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن عبد
اللَّه بن زيد رأى الأذان في المنام. قال الترمذي: وهذا أصح انتهى.
وقد روى ابن أبي ليلى عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي
وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأُبيَّ بن كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم
وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول ذكرهم وقال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم كلهم من الأنصار فلا علة للحديث لأنه على الرواية عن
عبد اللَّه بدون توسيط الصحابة مرسل عن الصحابة وهو في حكم المسند وعلى روايته عن
الصحابة عنه مسند ومحمد بن عبد الرحمن وإن كان بعض أهل الحديث يضعفه فمتابعة
الأعمش إياه عن عمرو بن مرة ومتابعة شعبة كما ذكر ذلك الترمذي مما يصحح خبره وإن
خالفاه في الإسناد وأرسلا فهي مخالفة غير قادحة. واستدلوا أيضًا بما رواه الحاكم
والبيهقي في الخلافيات والطحاوي من رواية سويد بن غفلة أن بلالًا كان يثني الأذان
والإقامة وادعى الحاكم فيه الانقطاع. قال الحافظ: ولكن في رواية الطحاوي سمعت
بلالًا ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن جبر بن علي عن شيخ يقال له الحفص عن
أبيه عن جده وهو سعد القرظ قال: أذن بلال حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم ثم أذن لأبي بكر في حياته ولم يؤذن في زمان عمر وسويد بن غفلة هاجر في زمن
أبي بكر. وأما ما رواه أبو داود من أن بلالًا ذهب إلى الشام في حياة أبي بكر
فكان بها حتى مات فهو مرسل وفي إسناده عطاء الخراساني وهو مدلس. وروى الطبراني
في مسند الشاميين من طريق جنادة بن أبي أمية عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة
مثنى مثنى وفي إسناده ضعف. قال الحافظ: وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة
مشهور عند النسائي وغيره انتهى. وحديث أبي محذورة حديث صحيح قاسه الحازمي في
الناسخ والمنسوخ وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين وقال: هذا حديث حسن على شرط أبي
داود والترمذي والنسائي ـ أقول: وقد ذكر الخلاف الحازمي في الناسخ والمنسوخ
ودليل كل وأرجحية الحكم في ذلك قال ما حاصله: فذهبت طائفة إلى أن الإقامة مثل الأذان
مثنى وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة واحتجوا في الباب بهذا الحديث
أي حديث أبي محذورة قال: (وعلمني الإقامة مرتين مرتين اللَّه أكبر اللَّه أكبر
أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه) الخ وقد حسنه كما نقله الشوكاني
عنه هنا ورأوه محكمًا وناسخًا لحديث بلال وذكره بسنده عن أنس (أنهم ذكروا أن
يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن ينوروا نارًا أو يضربوا ناقوسًا فأمر
بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) هذا الحديث صحيح متفق عليه أخرجه مسلم في
الصحيح من حديث وهب وأخرجاه من حديث عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء. قالوا:
وهذا ظاهر في النسخ لأن بلالًا أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان على ما دل
عليه حديث أنس وأما حديث أبي محذورة كان عام حنين وبين الوقتين مدة مديدة.
وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم فرأوا أن الإقامة فرادى وإلى هذا المذهب ذهب سعيد
بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري ومالك بن أنس وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه. وإليه
ذهب عمر بن عبد العزيز ومكحول والأوزاعي وأهل الشام. وإليه ذهب الحسن البصري
ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل ومن تبعهم من العراقيين. وإليه ذهب يحيى بن يحيى
وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومن تبعهما من الخراسانيين وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس
وقالوا: أما حديث أبي محذورة فالجواب عنه من وجوه نذكر بعضها: منها أن شرط
الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قررناه في
مقدمة الكتاب. ونازعه في ذلك الشوكاني وغير خفي على من الحديث صناعته أن حديث
أبي محذورة لا يوازي حديث أنس في جهة واحدة في الترجيحات فضلًا عن الجهات كلها. ومنها
أن جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة بدليل ما
أخبرنا به وساق سنده إلى أبي محذورة (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمره
أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) ونحوه من الأحاديث.
ثم لو قدرنا أن هذه الزيادة محفوظة وأن الحديث ثابت ولكنه
منسوخ وأذان بلال هو آخر الأذانين لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما عاد من
حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالًا على أذانه وإقامته. وعن الأثرم قال: قيل
لأبي عبد اللَّه: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد اللَّه بن زيد لأن حديث أبي
محذورة بعد فتح مكة فقال: أليس قد رجع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى
المدينة فأقر بلالًا على أذان عبد اللَّه بن زيد. وعن الخلال قال: أخبرني عبد
اللَّه بن عبد الحميد قال: ناظرت أبا عبد اللَّه في أذان أبي محذورة فقال: نعم
قد كان أبو محذورة يؤذن ويثبت تثنية أذان أبي محذورة ولكن إذ أن بلال هو آخر
الأذان. وبهذا تعلم أن ما ذكره الشارح بعد إنما هو مأخوذ من الحازمي بدون عزو واللَّه
أعلم ـ. وسيأتي ما أخرجه عنه الخمسة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة) وهو حديث صححه الترمذي وغيره وهو
متأخر عن حديث بلال الذي فيه الأمر بإيتار الإقامة لأنه بعد فتح مكة لأن أبا
محذورة من مسلمة الفتح وبلال أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان فيكون
ناسخًا. وقد روى أبو الشيخ (أن بلالًا أذن بمنى ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم ثم مرتين مرتين وأقام مثل ذلك) إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية
الإقامة صالحة للاحتجاج بها لما أسلفناه وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها
لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير
إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى
جواز إفراد الإقامة وتثنيتها قال أبو عمر ابن عبد البر: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق
بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير قالوا كل ذلك جائز
لأنه قد ثبت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جمع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء
قال اللَّه أكبر أربعًا في أول الأذان ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء
أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى.
وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة
بأجوبة منها:
إن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم قاعدة وهذا
ممنوع فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحية ومنها أن جماعة من الأئمة
ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة ورووا من طريق أبي محذورة أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة كما ذكر ذلك الحازمي
في الناسخ والمنسوخ. وأخرجه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة وهذا الوجه
غير نافع لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ وقد حفظ
غيرهم من الأئمة كما تقدم ومن علم حجة على من لا يعلم. وأما رواية إيتار الإقامة
عن أبي محذورة فليست كروايته التشفيع على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على
الزيادة.
ومن الأجوبة أن تثنية الإقامة لو فرض أنها محفوظة وأن
الحديث بها ثابت لكانت منسوخة فإن أذان بلال هو آخر الأمرين لأن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالًا على أذانه وإقامته.
قالوا: وقد قيل لأحمد بن حنبل: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد اللَّه بن
زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة قال: أليس قد رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم إلى المدينة فأقر بلالًا على أذان عبد اللَّه بن زيد وهذا أنهض ما أجابوا به
ولكنه متوقف على نقل صحيح أن بلالًا أذن بعد رجوع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
المدينة وأفرد الإقامة ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي فإن ثبت ذلك كان دليلًا
لمذهب من قال بجواز الكل ويتعين المصير إليها لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب
الآخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ.
======
وعن ابن عمر قال: (إنما كان الأذان على عهد رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد
قامت الصلاة وكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة).
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
الحديث أخرجه أيضًا الشافعي وأبو عوانة والدارقطني وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم وفي إسناده أبو جعفر المؤذن قال شعبة: لا يحفظ لأبي
جعفر غير هذا الحديث. وقال ابن حبان: اسمه محمد بن مسلم بن مهران. وقال
الحاكم: اسمه عمير بن يزيد بن حبيب الخطمي. قال الحافظ: ووهم الحاكم في
ذلك. ورواه أبو عوانة والدارقطني من حديث سعيد بن المغيرة عن عيسى بن يونس عن عبيد
اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال الحافظ: وأظن سعيدًا وهم فيه وإنما رواه عيسى عن
شعبة كما تقدم لكن سعيد وثقه أبو حاتم ورواه ابن ماجه من حديث سعد القرظ ـ هو
صحابي مشهور بقي إلى ولاية الحجاج على الحجاز سنة أربع وسبعين وكان مؤذنًا بقباء
اهـ من التقريب ببعض التصرف. وقوله بعد وهما ضعيفان أي الحديثان لا الراويان:
تنبه ـ . مرفوعًا: (كان أذان بلال مثنى مثنى وإقامته مفردة) وعن أبي رافع
نحوه وهما ضعيفان وقد صرح اليعمري في شرح الترمذي أن حديث ابن عمر إسناده صحيح.
والحديث يدل على أن الأذان مثنى والإقامة مفردة إلا
الإقامة. وقد تقدم البحث عن ذلك.
4 - وعن أبي محذورة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم علمه هذا الأذان اللَّه أكبر اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا
اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول
اللَّه ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه مرتين أشهد أن محمدًا رسول اللَّه
مرتين حيَّ على الصلاة مرتين حيَّ على الفلاح مرتين اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا
إله إلا اللَّه).
رواه مسلم والنسائي. وذكر التكبير في أوله أربعًا.
وللخمسة عن أبي محذورة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم علمه الأذان تسع
عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الرواية الأولى أخرجها أيضًا بتربيع التكبير في أوله
الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وقال ابن القطان: الصحيح في هذا تربيع
التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة كما في الرواية الثانية مضمومًا إلى
تربيع التكبير الترجيع. قال الحافظ حاكيًا عن ابن القطان: وقد وقع في بعض
روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن يعد في الصحيح انتهى.
وقد رواه أبو نعيم في المستخرج والبيهقي بتربيع التكبير
وقال بعده: أخرجه مسلم عن إسحاق وكذلك أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من طريق ابن
المديني عن معاذ. والرواية الثانية أخرجها أيضًا الدارمي والدارقطني والحاكم في
مستدركه والبيهقي وتكلم عليه بأوجه من التضعيف ردها ابن دقيق العيد في الإمام وصحح
الحديث وأخرجه أيضًا الطبراني.
قوله (تسع عشرة كلمة) لأن التكبير في أوله مربع والترجيع
في الشهادتين يصير كل واحدة منهما أربعة ألفاظ والحيعلتين أربع كلمات والتكبير
كلمتان وكلمة التوحيد في آخره.
قوله (سبع عشرة كلمة) بتربيع التكبير في أول الإقامة
وترك الترجيع وزيادة قد قامت الصلاة مرتين وباقي ألفاظها كالأذان فتكون الإقامة
ذلك المقدار.
والحديث يدل على تربيع التكبير والترجيع وتربيع تكبير
الإقامة وتثنية باقي ألفاظها وقد تقدم الكلام على جميع هذه الأطراف مستوفى وقد
عرفت مما سلف أن حديث أبي محذورة راجح لأنه متأخر ومشتمل على الزيادة لا سيما مع
كون النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو الذي لقنه إياه.
5 - وعن أبي محذورة قال: (قلت يا رسول اللَّه علمني
سنة الأذان فعلمه وقال: فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير
من النوم اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والنسائي وصححه ابن خزيمة
وفي إسناده محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة والحارث بن عبيد والأول غير معروف
والثاني فيه مقال ولكنه قد روي من طريق أخرى وقد قدمنا الكلام على الحديث وعلى
فقهه في شرح حديث عبد اللَّه بن زيد فليرجع إليه.
// باب رفع
الصوت بالأذان
1 - عن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
قال: المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس).
رواه الخمسة إلا الترمذي.
الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان وفي إسناده أبو
يحيى الراوي له عن أبي هريرة قال ابن القطان: لا يعرف وادعى ابن حبان في الصحيح
أن اسمه سمعان ورواه البيهقي من وجهين آخرين عن الأعمش قال تارة عن أبي صالح وتارة
عن مجاهد عن أبي هريرة قال الدارقطني: الأشبه أنه عن مجاهد مرسل. وفي العلل
لأبي حاتم سئل أبو زرعة عن حديث منصور فقال فيه عن عطاء رجل من أهل المدينة
ووقفه. ورواه أبو أسامة عن الحارث بن الحكم عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن شيخ من
الأنصار فقال: الصحيح حديث منصور. ورواه أحمد والنسائي من حديث البراء بن عازب
بلفظ: (المؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من
صلى معه) وصححه ابن السكن ورواه أحمد والبيهقي من حديث مجاهد عن ابن عمر وفي
الباب عن أنس عند ابن عدي وعن أبي سعيد عند الدارقطني في العلل. وعن جابر عند
الخطيب في الموضح وغير ذلك.
والحديث يدل على استحباب مد الصوت في الأذان لكونه سببًا
للمغفرة وشهادة الموجودات ولأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة فكل ما كان أدعى لإسماع المأمومين
بذلك كان أولى ولقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأبي محذورة: (ارجع فارفع
صوتك) وهذا أمر برفع الصوت قيل هو تمثيل بمعنى أنه لو كان بين المكان الذي يؤذن
فيه والمكان الذي يبلغه صوت ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها اللَّه له.
2 - وعن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة: (أن
أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك فارفع
صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم
القيامة قال أبو سعيد: سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم).
رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه.
الحديث أخرجه أيضًا الشافعي ومالك في الموطأ وغيرهما.
قوله (تحب الغنم والبادية) أي لأجل الغنم لأن فيها
ما يحتاج في إصلاحها إليه من الرعي وهو في الغالب لا يكون إلا بالبادية.
قوله (في غنمك أو باديتك) يحتمل أن يكون أو شكًا من
الراوي ويحتمل أن يكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون في
البادية حيث لا غنم.
قوله (فارفع صوتك) فيه دليل لمن قال باستحباب الأذان
للمنفرد وهو الراجح عند الشافعية.
قوله (مدى صوت المؤذن) أي غاية صوته.
قوله (جن ولا إنس ولا شيء) ظاهره يشمل الحيوانات
والجمادات فهو من العام بعد الخاص.
والحديث الأول يبين معنى الشيء المذكور هنا لأن الرطب
واليابس لا يخرج عن الاتصاف بأحدهما شيء من الموجودات.
وفي رواية لابن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر
ولا جن ولا إنس وبهذا يظهر أن التخصيص بالملائكة كما قال القرطبي أو بالحيوان كما
قال غيره غير ظاهر وغير ممتنع عقلًا ولا شرعًا أن يخلق اللَّه في الجمادات القدرة
على السماع والشهادة ومثله قوله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} وفي صحيح
مسلم: (إني لأعرف حجرًا كان يسلم عليَّ) ومنه ما يثبت في البخاري وغيره من
قول النار أكل بعضي بعضًا.
قال الزين ابن المنير: والسر في هذه الشهادة مع أنها
تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا
من توجه الدعوى والجواب والشهادة. وقيل المراد بهذه الشهادة إشهار المشهود له
بالفضل وعلو الدرجة وكما أن اللَّه يفضح بالشهادة قومًا كذلك يكرم بالشهادة
آخرين.
وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان وقد تقدم تعليل
ذلك وفيه أن حب الغنم والبادية لا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح.
باب المؤذن
يجعل إصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدبر
1 - عن أبي جحيفة قال: (أتيت النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم قال: فخرج بلال بوضوئه فمن
ناضح ونائل قال: فخرج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر
إلى بياض ساقيه قال: فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينًا
وشمالًا حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح قال: ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر
ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع) وفي رواية (تمر من ورائه المرأة
والحمار ثم صلى العصر ثم لم يزل يصلي حتى رجع إلى المدينة).
متفق عليه. ولأبي داود: (رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح
فأذن فلما بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم
يستدر) وفي رواية: (رأيت بلالًا يؤذن ويدور وأتتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه
في أذنيه قال: ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في قبة له حمراء أراها من
أدم قال: فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه) رواه أحمد والترمذي
وصححه.
الحديث أخرجه النسائي بزيادة: (فجعل يقول في أذانه
هكذا ينحرف يمينًا وشمالًا) وابن ماجه بزيادة: (رأيته يدور في أذانه) لكن
في إسناده الحجاج بن أرطأة. ورواه الحاكم بزيادة ألفاظ وقال: قد أخرجاه إلا
أنهما لم يذكرا فيه إدخال الإصبعين في الأذنين والاستدارة وهو صحيح على شرطهما.
ورواه ابن خزيمة بلفظ: (رأيت بلالًا يؤذن يتبع بفيه يميل رأسه يمينًا وشمالًا)
ورواه من طريق أخرى بزيادة: (ووضع الإصبعين في الأذنين) وكذا رواه أبو عوانة
في صحيحه وأبو نعيم في مستخرجه بزيادة: (رأى أبو جحيفة بلالًا يؤذن ويدور
وإصبعاه في أذنيه) وكذا رواه البزار. وقال البيهقي: الاستدارة لم ترد من
طريق صحيحة لأن مدارها على سفيان الثوري وهو لم يسمعه من عون بن أبي جحيفة إنما
سمعه عن رجل عنه والرجل يتوهم أنه الحجاج والحجاج غير محتج به. قال: ووهم عبد
الرزاق في إدراجه وقد وردت الاستدارة من وجه آخر أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان
من طريق حماد وهشيم جميعًا عن عون الطبراني من طريق إدريس الأودي عنه وفي الأفراد
للدارقطني عن بلال: (أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا أذنا
وأقمنا أن لا نزيل أقدامنا عن مواضعها) وإسناده ضعيف.
قوله (فمن ناضح ونائل) الناضح الآخذ من الماء لجسده
تبركًا ببقية وضوئه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والنائل الآخذ من ماء في جسد صاحبه
لفراغ الماء لقصد التبرك. وقيل أن بعضهم كان ينال ما لا يفضل منه شيء وبعضهم كان
ينال منه ما ينضحه على غيره. وفي رواية في الصحيح ورأيت بلالًا أخرج وضوءًا
فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئًا تمسح به ومن لم يصب أخذ من بلل
صاحبه وبهذه الرواية يتبين المراد من تلك العبارة والنضح الرش وقد تقدم الكلام
عليه.
قوله (ههنا وههنا) ظرفا مكان والمراد بهما جهة
اليمين والشمال كما فسره بذلك الراوي.
وللحديث فوائد وفيه أحكام سيأتي بسط الكلام عليها في
مواضعها والمقصود منه ههنا الاستدلال على مشروعية التفات المؤذن يمينًا وشمالًا
وجعل الإصبعين في الأذنين حال الأذان والالتفات المذكور ههنا مقيد بوقت الحيعلتين
وقد بوب له ابن خزيمة فقال: باب انحراف المؤذن عند قوله حيَّ على الصلاة حيَّ
على الفلاح بفمه لا ببدنه كله وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الرأس وقد اختلفت
الروايات في الاستدارة ففي بعضه أنه كان يستدبر وفي بعضها ولم يستدر كما سلف
ولكنها لم ترو الاستدارة إلا من طريق حجاج وإدريس الأودي وهما ضعيفان وقد رويت من
طريق ثالثة وفيها ضعيف وهو محمد العرزمي. وقد خالف هؤلاء الثلاثة من هو مثلهم أو
أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون قال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود كما
تقدم قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى بها استدارة الرأس ومن
نفاها عنى استدارة الجسد كله ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز
الاستدارة.
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على استدارة المؤذن
للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه
قارتان واختلف أيضًا هل يستدير في الحيعلتين الأوليتين مرة وفي الثانيتين مرة أو
يقول حيَّ على الصلاة عن يمينه ثم حيَّ على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى وقد رجح
هذا الوجه بأنه يكون لكل جهة نصيب من كل كلمة قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث
انتهى كلامه بالمعنى. وروي عن أحمد أنه لا يدور إلا إذا كان على منارة يقصد
إسماع أهل الجهتين وبه قال أبو حنيفة وإسحاق. وقال النخعي والثوري والأوزاعي
والشافعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد: إنه يستحب الالتفات في الحيعلتين يمينًا
وشمالًا ولا يدور ولا يستدير سواء كان على الأرض أو على منارة وقال مالك: لا
يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس وقال ابن سيرين: يكره الالتفات.
والحق استحباب الالتفات حال الأذان بدون تقييد وأما
الدوران فقد عرفت اختلاف الأحاديث فيه وقد أمكن الجمع بما تقدم فلا يصار إلى
الترجيح.
وفي الحديث استحباب وضع الإصبعين في الأذنين وفي ذلك
فائدتان ذكرهما العلماء: الأولى أن ذلك أرفع لصوته قال الحافظ: وفيه حديث ضعيف
من طريق سعد القرظ عن بلال. والثانية أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد أو
من كان به صمم أنه يؤذن. قال الترمذي: استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه
في أذنيه في الأذان قال: واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضًا ولم يرد في الأحاديث
كما قال الحافظ تعيين الإصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي بأنها المسبحة وإطلاق
الإصبع مجاز عن الأنملة.
باب
الأذان في أول الوقت وتقديمه عليه في الفجر خاصة
1 - عن جابر بن سمرة قال: (كان بلال يؤذن إذا زالت
الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فإذا خرج
أقام حين يراه).
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
قوله (لا يخرم) أي لا يترك شيئًا من ألفاظه.
الحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير وهكذا
سائر الصلوات إلا الفجر لما سيأتي. وفيه أيضًا أن المقيم لا يقيم إلا إذا أراد
الإمام الصلاة وقد أخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (المؤذن أملك بالأذان
والإمام أملك بالإقامة) وضعفه ولعل تضعيفه له لأن في إسناده شريكًا القاضي وقد
أخرج البيهقي نحوه عن علي رضي اللَّه عنه من قوله وقال: ليس بمحفوظ ورواه أبو
الشيخ من طريق أبي الجوزاء عن ابن عمه وفيه معارك وهو ضعيف. ويعارض حديث الباب
وما في معناه ما عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي بلفظ: (أنه قال
صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) أي خرجت
لأنه يدل على أن المقيم شرع في الإقامة قبل خروجه ويمكن الجمع بين الحديثين بأن
بلالًا كان يراقب خروج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيشرع في الإقامة عند أول رؤيته
له قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا ويشهد لهذا ما أخرجه عبد الرزاق عن
ابن جريج عن ابن شهاب (أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن اللَّه أكبر يقومون
الصلاة فلا يأتي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف).
وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود ومستخرج أبي عوانة:
(أنهم كانوا يعدلون الصفوف قبل خروجه صلى اللَّه عليه وآله وسلم) وفي حديث أبي
قتادة: (أنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم فنهاهم عن ذلك) لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق
عليهم الانتظار.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد ذكر حديث الباب:
وفيه أن الفريضة تغني عن تحية المسجد انتهى.
2 - وعن ابن مسعود: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع
قائمكم ويوقظ نائمكم).
رواه الجماعة إلا الترمذي.
قوله (أحدكم) في رواية للبخاري (أحد منكم) شك من
الراوي وكلاهما يفيد العموم.
قوله (من سحوره) بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر.
ويجوز الضم وهو اسم الفعل.
قوله (ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل
هذا لازمًا ومتعديًا تقول رجع زيد ورجعت زيدًا ولا يقال في المتعدي بالتثقيل ومن
رواه بالضم والتثقيل فقد أخطأ لأنه يصير من الترجيع وهو الترديد وليس مرادًا هنا
وإنما معناه يرد القائم أي المتهجد إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطًا أو يتسحر
إن كان له حاجة إلى الصيام ويوقظ النائم ليتأهب للصلاة بالغسل والوضوء.
والحديث يدل على جواز الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الفجر
خاصة وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور مطلقًا وخالف في ذلك الثوري وأبو حنيفة ومحمد
والهادي والقاسم والناصر وزيد بن علي قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم: إنه
يكتفى به للصلاة وقال ابن المنذر وطائفة من أهل الحديث والغزالي: أنه لا يكتفى
به. وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء وتعقب بحديث
الباب وأجيب بأنه مسكوت عنه وعلى التنزل فمحله ما إذا لم يرد نطق بخلافه وههنا قد
ورد حديث ابن عمر وعائشة الآتي وهو يدل على عدم الاكتفاء نعم حديث زياد بن الحارث
عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في
إسناده ضعف كما قال الحافظ. وأيضًا فهي واقعة عين وكانت في سفر ومن ثم قال القرطبي:
إنه مذهب واضح. ويدل أيضًا على عدم الاكتفاء أن الأذان المذكور قد بين النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم الغرض به فقال: (ليرجع قائمكم) الحديث فهو لهذه
الأغراض المذكورة لا للإعلام بالوقت والأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ
مخصوصة والأذان قبل الوقت ليس إعلامًا بالوقت وتعقب بأن الإعلام بالوقت أعم من أن
يكون إعلامًا بأنه دخل أو قارب أن يدخل.
ـ واحتج المانعون ـ من الأذان قبل دخول الوقت بحجج منها قوله
صلى اللَّه عليه وسلم لبلال (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر ومد يديه عرضًا)
أخرجه أبو داود وبما أخرجه أيضًا من حديث ابن عمر: (أن بلالًا أذن قبل طلوع
الفجر فأمره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي ألا أن العبد نام)
قالوا: فوجب تأويل حديث الباب بما قال بعض الحنفية أن النداء قبل الفجر لم يكن
بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا كما يقع للناس اليوم ـ الرسول صلى اللَّه عليه
وآله وسلم بين لنا كيفية الأذان في جميع الأوقات وبيانه إنما هو بيان للعمل
المشروع الذي به يقبل. والقياس ممنوع في العبادات اتفاقًا وتم التشريع وانقطع
الوحي بموت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكل ما خالف هديه وعمله صلى اللَّه
عليه وآله وسلم الذي كان عليه فهو مردود بنص الكتاب والسنة وإجماع من سلف من
الصحابة والتابعين واللَّه أعلم ـ. وأجيب عن الاحتجاج بالحديثين المذكورين بأن الأول
منهما لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين لا سيما مع إشعار الحديث بالاعتياد. وأما
الثاني فلا حجة فيه لأنه قد صرح بأنه موقوف أكابر الأئمة كأحمد والبخاري والذهلي
وأبي داود وأبي حاتم والدارقطني والأثرم والترمذي وجزموا بأن حمادًا أخطأ في رفعه
وأن الصواب وقفه.
وأما التأويل المذكور فقال الحافظ في الفتح: إنه مردود
لأن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعًا وقد تضافرت الأحاديث على التعبير بلفظ
الأذان قطعًا فحمله على معناه الشرعي مقدم ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة
لما التبس على السامعين والحديث ليس فيه تعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وقد
اختلف من أي وقت يشرع في ذلك فقيل إنه يشرع وقت السحر ورجحه جماعة من أصحاب الشافعي.
وقيل إنه يشرع من النصف الأخير ورجحه النووي وتأول ما خالفه وقيل يشرع للسبع
الأخير في الشتاء وفي الصيف لنصف السبع قاله الجويني. وقيل وقته الليل جميعه
ذكره صاحب العمدة وكأن مسنده إطلاق لفظ بليل. وقيل بعد آخر اختيار العشاء وقد
ورد ما يشعر بتعيين الوقت الذي كان بلال يؤذن فيه وهو ما رواه النسائي والطحاوي من
حديث عائشة: (إنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل
هذا) وكانا يؤذنان في بيت مرتفع كما أخرجه أبو داود فهذه الرواية تقيد إطلاق
سائر الروايات ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي أن بلالًا وابن أم مكتوم كانا يقصدان
وقتًا واحدًا فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم. وقد اختلف في أذان بلال بليل هل
كان في رمضان فقط أم في جميع الأوقات فادعى ابن القطان الأول قال الحافظ: وفيه نظر.
والحكمة في اختصاص صلاة الفجر لهذا من بين الصلوات ما ورد من الترغيب في الصلاة
لأول الوقت والصبح يأتي غالبًا عقيب النوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول
وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة الوقت.
3 - وعن سمرة بن جندب قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل
هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضًا).
رواه مسلم وأحمد والترمذي. ولفظهما: (لا يمنعكم من
سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق).
4 - وعن عائشة وابن عمر رضي اللَّه عنهما: (أن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن
أم مكتوم).
متفق عليه ولأحمد والبخاري (فإنه لا يؤذن حتى يطلع
الفجر) ولمسلم: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا).
قوله (المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا) صفة هذه
الإشارة مبينة في صحيح مسلم في الصوم من حديث ابن مسعود بلفظ: (وليس أن يقول
هكذا وهكذا وصوب يده ورفعها حتى يقول هكذا وفرج بين إصبعيه) وفي رواية: (ليس
الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذي يقول هكذا وجمع أصابعه
ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه) وفي رواية: (ليس الذي يقول هكذا ولكن يقول
هكذا) وفسرها جرير بأن المراد أن الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل والمعترض هو
الفجر الصادق ويقال له الثاني والمستطير بالراء وأما المستطيل باللام فهو الفجر
الكاذب الذي يكون كذنب السرحان. وفي البخاري من حديث ابن مسعود: (وليس أن
يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا)
وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم أمرهما على يمينه وشماله.
قوله (حتى يؤذن ابن أم مكتوم) في رواية للبخاري
(حتى ينادي) وبتلك الزيادة أعني قوله فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر أوردها في
الصيام.
قوله (ولمسلم ولم يكن بينهما) هذه الزيادة ذكرها
مسلم في الصيام من حديث ابن عمر وذكرها البخاري في الصيام من كلام القاسم قال
الحافظ في أبواب الأذان من الفتح: ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك
القصة المذكورة لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث وعند الطحاوي من رواية
يحيى بن القطان كلاهما عن عبيد اللَّه بن عمر عن القاسم عن عائشة بلفظ: ولم يكن
بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء معناه
أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا
قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم بالطهارة وغيرها ثم يرقىويشرع
في الأذان مع أول طلوع الفجر.
والحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد واحد وأما
الزيادة فليس في الحديث تعرض لها ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكره الزيادة على
أربعة لأن عثمان اتخذ أربعة ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الراشدين وجوزه
بعضهم من غير كراهة قالوا: إذا جازت الزيادة لعثمان على ما كان في زمن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم جازت الزيادة لغيره. قال أبو عمر ابن عبد البر: وإذا
جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له اهـ.
والمستحب أن يتعاقبوا واحدًا بعد واحد كما اقتضاه الحديث
إن اتسع الوقت لذلك كصلاة الفجر فإن تنازعوا في البداءة أقرع بينهم.
وفي الحديث دليل على جواز أذان الأعمى قال ابن عبد
البر: وذلك عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات وقد نقل عن ابن
مسعود وابن الزبير كراهة أذان الأعمى. وعن ابن عباس كراهة إقامته وللحديثين
المذكورين ههنا فوائد وأحكام قد سبق بعضها في شرح حديث ابن مسعود.
باب ما
يقول عند سماع الأذان والإقامة وبعد الأذان
1 - عن أبي سعيد: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن).
رواه الجماعة.
وفي الباب عن أبي رافع عند النسائي. وعن أبي هريرة عند
النسائي أيضًا. وعن أم حبيبة عند الطحاوي وعن ابن عمر عند أبي داود والنسائي.
وعن عائشة عند أبي داود. وعن معاذ عند أبي الشيخ. وعن معاوية عند النسائي.
قوله (إذا سمعتم) ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى
لو رأى المؤذن على المنارة مثلًا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد
أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب.
قوله (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ادعى ابن وضاح أن
قوله المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا
يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ولم يصب
صاحب العمدة في حذفها قاله الحافظ.
قوله (مثل ما يقول) قال الكرماني: قال مثل ما يقول
ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها. قال الحافظ:
والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت. وأصرح من ذلك حديث عمر بن الخطاب الآتي بعد
هذا.
والحديث يدل على أنه يقول السامع مثل ما يقول المؤذن في
جميع ألفاظ الأذان الحيعلتين وغيرهما وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بحديث
عمر الآتي فقالوا يقول مثل ما يقول فيما عدا الحيعلتين وأما في الحيعلتين فيقول لا
حول ولا قوة إلا باللَّه.
وقال ابن المنذر: يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف
المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص
والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال: فلم لا يقال يستحب للسامع أن
يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة. والظاهر من قوله في الحديث
فقولوا التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب. والظاهر من قوله مثل
ما يقول عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه. قال اليعمري: لاتفاقهم على أنه
لا يلزم المجيب أن يرفع صوته ولا غير ذلك. قال الحافظ: وفيه بحث لأن المماثلة
وقعت في القول لا في صفته ولاحتياج المؤذن إلى الإعلام شرع له رفع الصوت بخلاف
السامع فليس مقصوده إلا الذكر والسر والجهر مستويان في ذلك.
وظاهر الحديث إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين
المصلي وغيره. وقيل يؤخر المصلي الإجابة حتى يفرغ. وقيل يجيب إلا في
الحيعلتين. قال الحافظ: والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها
حتى يفرغ وكذا حال الجماع والخلاء. قيل والقول بكراهة الإجابة في الصلاة يحتاج
إلى دليل ولا دليل ولا يخفى أن حديث إن في الصلاة لشغلًا دليل على الكراهة ويؤيده
امتناع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من إجابة السلام فيها وهو أهم من الإجابة
للمؤذن.
وظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن من غير فرق
بين الترجيع وغيره. وفيه متمسك لمن قال بوجوب الإجابة لأن الأمر يقتضيه بحقيقته
وقد حكى ذلك الطحاوي عن قوم من السلف وبه قالت الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب.
وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب. قال الحافظ: واستدلوا بحديث أخرجه مسلم وغيره:
(أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سمع مؤذنًا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد
قال خرج من النار). قالوا فلما قال صلى اللَّه عليه وسلم غير ما قال المؤذن علمنا
أن الأمر بذلك للاستحباب ورد بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال وباحتمال
أنه وقع ذلك قبل الأمر بالإجابة واحتمال أن الرجل الذي سمعه النبي صلى اللَّه عليه
وسلم يؤذن لم يقصد الأذان وأجيب عن هذا الأخير بأنه وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه
حضرته الصلاة وقد عرفت غير مرة أن فعله صلى اللَّه عليه وسلم لا يعارض القول الخاص
بنا وهذا منه. والظاهر من الحديث التعبد بالقول مثل ما يقول المؤذن وسواء كان
المؤذن واحدًا أو جماعة. قال القاضي عياض: وفيه خلاف بين السلف فمن رأى
الاقتصار على الإجابة للأول احتج بأن الأمر لا يقتضي التكرار ويلزمه على ذلك أن
يكتفي بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر.
2 - وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: (قال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا قال المؤذن: اللَّه أكبر اللَّه
أكبر فقال أحدكم: اللَّه أكبر اللَّه أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه
قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول اللَّه قال:
أشهد أن محمدًا رسول اللَّه ثم قال: حيَّ على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا
باللَّه ثم قال: حيَّ على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه ثم قال:
اللَّه أكبر اللَّه أكبر قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر ثم قال: لا إله إلا
اللَّه قال: لا إله إلا اللَّه من قلبه دخل الجنة).
رواه مسلم وأبو داود.
الحديث أخرج البخاري نحوه من حديث معاوية وقال: هكذا
سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول. قال الحافظ في الفتح: وقد وقع لنا
هذا الحديث يعني حديث معاوية وذكر إسنادًا متصلًا بعيسى بن طلحة قال: (دخلنا
على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر فقال معاوية: اللَّه
أكبر اللَّه أكبر فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه فقال معاوية: وأنا أشهد أن
لا إله إلا اللَّه فقال: أشهد أن محمدًا رسول اللَّه فقال معاوية: وأنا أشهد
أن محمدًا رسول اللَّه ولما قال: حيَّ على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا
باللَّه ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وآله وسلم).
قوله (لا حول ولا قوة) قال النووي في شرح مسلم:
قال أبو الهيثم: الحول الحركة أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة اللَّه تعالى
وكذا قال ثعلب وآخرون: وقيل لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا باللَّه
وقيل لا حول عن معصية اللَّه إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته وحكي هذا
عن ابن مسعود وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال لا حيل ولا قوة إلا باللَّه
قال: والحول والحيل بمعنى. ويقال في التعبير عن قولهم لا حول ولا قوة إلا
باللَّه الحوقلة هكذا قال الأزهري والأكثرون. وقال الجوهري: الحولقة فعلى
الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول والقاف من القوة واللام من اسم اللَّه
وعلى الثاني الحاء واللام من الحول والقاف من القوة والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف
ومثل الحوقلة الحيعلة في حيَّ على الصلاة وعلى الفلاح. والبسملة في بسم اللَّه
والحمدلة في الحمد للَّه. والهيللة في لا إله إلا اللَّه والسبحلة في سبحان
اللَّه انتهى كلامه.
قوله (دخل الجنة) قال القاضي عياض: إنما كان كذلك
لأن ذلك توحيد وثناء على اللَّه تعالى وانقياد لطاعته وتفويض إليه بقوله لا حول
ولا قوة إلا باللَّه فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام واستحق
الجنة بفضل اللَّه وإنما أفرد صلى اللَّه عليه وسلم الشهادتين والحيعلتين في هذا
الحديث مع أن كل نوع منها مثنى كما هو المشروع لقصد الاختصار. قال النووي:
فاختصر صلى اللَّه عليه وآله وسلم من كل نوع شطرًا تنبيهًا على باقيه والحديث قد
تقدم الجمع بينه وبين الحديث الذي قبله.
3 - وعن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم: (أن بلالًا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت
الصلاة قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أقامها اللَّه وأدامها) وقال في
سائر الإقامة بنحو حديث عمر في سائر الأذان.
رواه أبو داود.
الحديث في إسناده رجل مجهول وشهر بن حوشب تكلم فيه غير
واحد ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم
لقوله وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر. وفيه أيضًا أنه يستحب لسامع الإقامة
أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة أقامها اللَّه وأدامها.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وفيه دليل على أن السنة
أن يكبر الإمام بعد الفراغ من الإقامة انتهى. وفي ذلك خلاف لعله يأتي إن شاء
اللَّه تعالى.
4 - وعن جابر (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال: من قال حين يسمع النداء اللَّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة).
رواه الجماعة إلا مسلمًا.
وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود عند الطحاوي وعن أنس
عند ابن حبان في فوائد الأصبهانيين له وعن ابن عباس عند ابن حبان أيضًا في كتاب
الأذان. وعن أبي أمامة عند الضياء المقدسي ورواه الحاكم في المستدرك وفيه عفير
بن معدان وقد تكلم فيه غير واحد وعن عبد اللَّه بن عمرو وسيأتي.
قوله (رب هذه الدعوة التامة) بفتح الدال والمراد بها
دعوة التوحيد لقوله تعالى {له دعوة الحق} وقيل لدعوة التوحيد تامة لأنه لا
يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم القيامة. وقال ابن التين: وصفت
بالتامة لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا اللَّه.
قوله (الوسيلة) هي ما يتقرب به يقال توسلت أي تقربت
وتطلق على المنزلة العلية وسيأتي تفسيرها في الحديث الذي بعد هذا.
قوله (والفضيلة) أي المرتبة الزائدة على سائر
الخلائق ويحتمل أن تكون تفسيرًا للوسيلة.
قوله (مقامًا محمودًا) أي يحمد القائم فيه وهو يطلق
على كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ونصبه على الظرفية أي ابعثه يوم القيامة
فأقمه مقامًا محمودًا أو ضمن ابعثه معنى أقمه أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه
أعطه ويجوز أن يكون حالًا أي ابعثه ذا مقام محمود والتنكير للتفخيم والتعظيم كما قال
الطيبي كأنه قال مقامًا أي مقام محمودًا بكل لسان. وقد روي بالتعريف عند النسائي
وابن حبان والطحاوي والطبراني والبيهقي وهذا يرد على ما أنكر ثبوته معرفًا
كالنووي.
قوله (الذي وعدته) أراد بذلك قوله تعالى {عسى أن
يبعثك ربك مقامًا محمودًا} وذلك لأن عسى في كلام اللَّه للوقوع. قال الحافظ:
والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة وسيأتي تفسير
حلت له الشفاعة في الحديث الذي بعد هذا.
5 - وعن عبد اللَّه بن عمرو: (أنه سمع النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ
فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى اللَّه بها عليه عشرًا ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة
فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل
اللَّه لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة).
رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.
قوله (مثل ما يقول) قد تقدم الكلام على ذلك.
قوله (ثم صلوا عليَّ) هذه زيادة ثابتة في الصحيح
وقبولها متعين.
قوله (ثم سلوا اللَّه) الخ قد تقدم ذكر بعض الأقوال
في تفسير الوسيلة والمتعين المصير إلى ما في هذا الحديث من تفسيرها.
قوله (حلت عليه الشفاعة) وفي الحديث الأول حلت له
الشفاعة قال الحافظ: واللام بمعنى على ومعنى حلت أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه
ولا يجوز أن تكون من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة.
قوله (شفاعتي) استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابًا لقائل
ذلك مع ما ثبت أن الشفاعة للمذنبين وأجيب بأن له صلى اللَّه عليه وسلم شفاعات أخر
كإدخال الجنة بغير حساب وكرفع الدرجات فيعطي كل أحد ما يناسبه ونقل عياض عن بعض
شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصًا مستحضرًا إجلال النبي صلى اللَّه
عليه وسلم لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك. قال الحافظ: وهو تحكم غير
مرضي ولو كان لإخراج الغافل اللاهي لكان أشبه قال المهلب: في الحديث الحض على
الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة.
6 - وعن أنس بن مالك قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة).
رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
الحديث أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والضياء في
المختارة وحسنه الترمذي ورواه سليمان التيمي عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللَّه
عليه وسلم قال: (إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء) وروى
يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند
الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا ترد دعوة) وقد روي من حديث سهل بن سعد
الساعدي رواه مالك عن ابن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ساعتان تفتح لهما أبواب
السماء وقل داع ترد عليه دعوته عند حضور النداء للصلاة والصف في سبيل اللَّه.
قال ابن عبد البر: هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في الموطأ عند جماعة الرواة
ومثله لا يقال من قبل الرأي ثم ساقه مرفوعًا من طريق أبي بشر الدولابي قال حدثنا
أبو عمير أحمد بن عبد العزيز بن سويد البلوي حدثنا أيوب بن سويد قال حدثنا مالك عن
سهل بن سعد قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكر نحو الحديث
المتقدم.
الحديث يدل على قبول مطلق الدعاء بين الأذان والإقامة
وهو مقيد بما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم كما في الأحاديث الصحيحة وقد ورد تعيين
أدعية تقال حال الأذان وبعده وهو بين الأذان والإقامة منها ما سلف في هذا الباب
ومنها ما أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه اليعمري من حديث سعد
بن أبي وقاص مرفوعًا بلفظ: (من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا
اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت باللَّه ربًا وبمحمد رسولًا
وبالإسلام دينًا غفر له ذنبه) ومنها ما أخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم
والليلة من حديث عمرو بن العاص: (أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه إن المؤذنين
يفضلوننا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قل كما يقول فإذا انتهيت فسل
تعطه) ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة قالت: (علمني رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أقول عند أذان المغرب اللَّهم إن هذا إقبال
ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي) وقد عين ما يدعى به صلى اللَّه عليه
وسلم لما قال: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد قالوا: فما نقول رسول اللَّه
قال: سلوا اللَّه العفو والعافية في الدنيا والآخرة) قال ابن القيم: هو حديث
صحيح وفي المقام أدعية غير هذه.
باب من
أذن فهو يقيم
1 - عن زياد بن الحارث الصدائي قال: (قال رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: يا أخا صداء أذن قال: فأذنت وذلك حين أضاء
الفجر قال: فلما توضأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد
بلال أن يقيم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو
يقيم).
رواه الخمسة إلا النسائي ولفظه لأحمد.
الحديث في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي
عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن الحارث الصدائي قال الترمذي: إنما نعرفه من
حديث الأفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره وقال
أحمد: لا أكتب حديث الأفريقي قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ويقول:
هو مقارب الحديث. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم اهـ. قال
في البدر المنير: ضعفه لكثرة روايته للمنكرات مع علمه وزهده ورواية المنكرات
كثيرًا ما تعتري الصالحين لقلة تفقدهم للرواة لذلك قيل لم نر الصالحين في شيء أكذب
منهم في الحديث اهـ. وكان سفيان الثوري يعظمه. وقال ابن أبي داود: إنما تكلم
الناس فيه لأنه روى عن مسلم بن يسار فقيل: أين رأيته فقال: بأفريقية فقالوا:
ما دخل مسلم بن يسار أفريقية قط يعنون البصري ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال
له أبو عثمان الطنبذي وعنه روى.
وفي الباب عن ابن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم إنما يقيم من أذن) أخرجه الطبراني والعقيلي في الضعفاء وأبو
الشيخ في الأذان وفي إسناده سعيد بن راشد وهو ضعيف. قال ابن أبي حاتم: سألت
أبي عن سعيد بن راشد هذا فقال: ضعيف الحديث منكر الحديث وقال مرة: متروك قال الحازمي
في كتابه الناسخ والمنسوخ: واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك
جائز واختلفوا في الأولوية فقال أكثرهم: لا فرق والأمر متسع وممن رأى ذلك مالك
وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور. وقال بعض العلماء: من
أذن فهو يقيم قال الشافعي: وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة وإلى أولوية
المؤذن بالإقامة ذهب الهادوية واحتجوا بهذا الحديث واحتج القائلون بعدم الفرق بالحديث
الذي سيأتي وسيأتي الكلام عليه والأخذ بحديث الصدائي أولى لأن حديث عبد اللَّه بن
زيد الآتي كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائي بعده بلا شك قاله
الحافظ اليعمري. فإذا أذن واحد فقط فهو الذي يقيم وإذا أذن جماعة دفعة واتفقوا
على من يقيم منهم فهو الذي يقيم وإن تشاحوا أقرع بينهم. قال ابن سيد الناس
اليعمري: ويستحب أن لا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل به
الكفاية اهـ.
2- وعن عبد اللَّه بن زيد: (أنه رأى الأذان قال:
فجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته فقال: ألقه على بلال فألقيته فأراد
أن يقيم فقلت: يا رسول اللَّه أنا رأيت أريد أن أقيم قال: فأقم أنت فأقام هو
وأذن بلال).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث في إسناده محمد بن عمر الواقفي الأنصاري البصري
وهو ضعيف ضعفه القطان وابن نمير ويحيى بن معين واختلف عليه فيه فقيل عن محمد بن
عبد اللَّه وقيل عبد اللَّه بن محمد قال ابن عبد البر: إسناده أحسن من حديث
الأفريقي وقال البيهقي: إن صحا لم يتخالفا لأن قصة الصدائي بعد. وذكره ابن
شاهين في الناسخ وله طريق أخرى أخرجها أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أول من
أذن في الإسلام بلال وأول من أقام عبد اللَّه بن زيد. قال الحافظ: وإسناده
منقطع لأنه رواه الحكم عن مقسم عن ابن عباس وهذا من الأحاديث التي لم يسمعها الحكم
من مقسم وأخرجه الحاكم وفيه أن الذي أقام عمر قال: والمعروف أنه عبد اللَّه بن زيد.
والحديث استدل به من قال بعدم أولوية المؤذن بالإقامة
وقد تقدم ذكرهم في الحديث الذي قبل هذا وقد عرفت تأخر حديث الصدائي وأرجحية الأخذ
به على أنه لو لم يتأخر لكان هذا الحديث خاصًا بعبد اللَّه بن زيد والأولوية
باعتبار غيره من الأمة والحكمة في التخصيص تلك المزية التي لا يشاركه فيها غيره
أعني الرؤيا فإلحاق غيره به لا يجوز لوجهين الأول أنه يؤدي إلى إبطال فائدة النص
أعني حديث من أذن فهو يقيم فيكون فاسد الاعتبار. الثاني وجود الفارق وهو بمجرده
مانع من الإلحاق.
باب الفصل
بين النداءين بجلسة
1 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحابنا أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: (لقد أعجبني أن تكون صلاة
المسلمين أو المؤمنين واحدة) وذكر الحديث وفيه: (فجاء رجل من الأنصار
فقال: يا رسول اللَّه إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلًا كأن عليه
ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد
قامت الصلاة) وذكر الحديث.
رواه أبو داود.
الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني من حديث الأعمش عن عمرو بن
مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل به. ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان من طريق
يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد اللَّه بن زيد. قال
الحافظ: وهذا الحديث ظاهر الانقطاع. قال المنذري: إلا أن قوله في رواية أبي داود
حدثنا أصحابنا إن أراد الصحابة فيكون مسندًا وإلا فهو مرسل. وفي رواية ابن أبي
شيبة وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي حدثنا أصحاب محمد فتعين الاحتمال الأول ولهذا
صححها ابن حزم وابن دقيق العيد.
وقد قدمنا في شرح حديث أنس أنه أمر بلال أن يشفع الأذان
ويوتر الإقامة ما يجاب به عن دعوى الانقطاع وإعلال الحديث بها فارجع إليه.
والحديث استدل به على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة
لقوله: (فأذن ثم قعد قعدة) وقد تقدم الكلام على ذلك في باب جواز الركعتين
قبل المغرب من أبواب الأوقات والكلام على بقية فوائد الحديث قد مر في أول
الأذان.
باب النهي
عن أخذ الأجرة على الأذان
1 - عن عثمان بن أبي العاص قال: (آخر ما عهد إليَّ
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا).
رواه الخمسة.
الحديث صححه الحاكم وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لعثمان بن أبي العاص واتخذ مؤذنًا لا يأخذ
على أذانه أجرًا. وأخرج ابن حبان عن يحيى البكاء قال: سمعت رجلًا قال لابن
عمر: إني لأحبك في اللَّه فقال له ابن عمر: إني لأبغضك في اللَّه فقال:
سبحان اللَّه أحبك في اللَّه وتبغضني في اللَّه قال: نعم إنك تسأل على أذانك أجرًا.
وروي عن ابن مسعود: (أنه قال أربع لا يؤخذ عليهن أجر الأذان وقراءة القرآن
والمقاسم والقضاء) ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي. وروى ابن أبي شيبة عن
الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلًا ويقول إن أعطي بغير مسألة فلا
بأس. وروي أيضًا عن معاوية بن قرة أنه قال: كان يقال لا يؤذن لك إلا محتسب.
وقد ذهب إلى تحريم الأجر شرطًا ـ هو حال من الأجر أي وقد ذهب إلى تحريم الأجر إذا
كان شرطًا فإذا لم يكن شرطًا فلا تحريم وسيأتي للشارح النص على ذلك آخر الشرح ـ.
على الأذان والإقامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم. وقال مالك: لا
بأس بأخذ الأجر على ذلك. وقال الأوزاعي: يجاعل عليه ولا يؤاجر. وقال الشافعي
في الأم: أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال: وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من
يؤذن متطوعًا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله قال: ولا أحسب أحدًا ببلد كثير
الأهل يعوزه أن يجد مؤذنًا أمينًا يؤذن متطوعًا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق
مؤذنًا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل.
وقال ابن العربي: الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان
والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل
واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستنيب والأصل في ذلك قوله صلى اللَّه عليه
وسلم: (ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة) اهـ. فقاس المؤذن
على العامل وهو قياس في مصادمة النص وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من
الصحابة كما صرح بذلك اليعمري وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك وأخرج عن
أبي محذورة أنه قال: (فألقى عليَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأذان
فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها شيء من فضة) وأخرجه أيضًا النسائي
قال اليعمري: ولا دليل فيه لوجهين الأول أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم لأنه
أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص فحديث عثمان متأخر.
الثاني إنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب
التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع
الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال
انتهى. وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال إن الأجرة إنما تحرم إذا
كانت مشروطة لا إذا أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن.
باب فيمن
عليه فوائت أن يؤذن ويقيم للأولى ويقيم لكل صلاة بعدها
1 - عن أبي هريرة قال: (عرسنا مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال: ففعلنا
ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة).
رواه أحمد ومسلم والنسائي. ورواه أبو داود ولم يذكر
فيه سجدتي الفجر وقال فيه: (فأمر بلالًا فأذن وأقام وصلى).
الأمر بالإقامة للمقضية ثابت في صحيح مسلم من حديث أبي
هريرة بلفظ: (وأمر بلالًا فأقام الصلاة) الحديث بطوله في نومهم في الوادي
وفيه من حديث أبي قتادة: (أن بلالًا أذن).
قوله (عرسنا) قد تقدم تفسيره في باب قضاء الفوائت.
قوله (فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان) قال
النووي: فيه دليل على اجتناب مواضع الشيطان وهو أظهر المعنيين في النهي عن
الصلاة في الحمام.
قوله (ثم صلى سجدتين) يعني ركعتين وفيه دليل على
استحباب قضاء النافلة الراتبة.
قوله (فأذن وأقام) استدل به على مشروعية الأذان
والإقامة في الصلاة المقضية وقد ذهب إلى استحبابهما في القضاء الهادي والقاسم
والناصر وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأبو ثور وقال مالك والأوزاعي ورواه المهدي في
البحر قولًا للشافعي إنه لا يستحب الأذان واحتج لهم بأنه لم ينقل في قضائه الأربع
وأجاب عن ذلك بأنه نقل في رواية ثم قال: سلمنا فتركه خوف اللبس وسيأتي حديث قضاء
الأربع بعد هذا الحديث مصرحًا فيه بالأذان والإقامة وإنما ترك الأذان في رواية أبي
هريرة عند مسلم وغيره يوم نومهم في الوادي لما قال النووي في شرح مسلم ولفظه وأما
ترك ذكر الأذان في حديث أبي هريرة وغيره فجوابه من وجهين: أحدهما لا يلزم من ترك
ذكره أنه لم يؤذن فلعله أذن وأهمله الراوي ولم يعلم به. والثاني لعله ترك الأذان
في هذه المرة لبيان جواز تركه وإشارة إلى أنه ليس بواجب متحتم لا سيما في السفر.
وقال أيضًا: وفي المسألة خلاف والأصح عندنا إثبات الأذان لحديث أبي قتادة وغيره
من الأحاديث الصحيحة.
وفي الحديث استحباب الجماعة في الفائتة وقد استشكل نومه
صلى اللَّه عليه وسلم في الوادي لقوله: (إن عيني تنام ولا ينام قلبي) قال
النووي: وجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما
يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما
يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان والثاني إنه
كان له حالان: أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع. والثاني لا ينام وهذا
هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول اهـ.
2 - وعن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه:
(أن المشركين شغلوا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات
حتى ذهب من الليل ما شاء اللَّه فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى
العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء).
رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: ليس بإسناده بأس
إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد اللَّه.
الحديث رجاله رجال الصحيح ولا علة له إلا عدم سماع أبي
عبيدة من أبيه وهو الذي جزم به الحافظ أعني عدم سماعه منه.
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند أحمد والنسائي وقد
تقدم. قال اليعمري: وحديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي حدثنا
ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه
وهذا إسناد صحيح جليل انتهى.
وفي الباب أيضًا عن جابر عند البخاري ومسلم وقد تقدم
وليس فيه ذكر الأذان والإقامة.
والحديث استدل به على مشروعية الأذان والإقامة في القضاء
وقد تقدم الخلاف في ذلك.
وللحديث أحكام وفوائد قد تقدم ذكر بعضها في باب الترتيب
في قضاء الفوائت. وقد استشكل الجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أن الصلاة التي
شغل عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة العصر فقط وقد قدمنا طرفًا من
الكلام على ذلك في باب الصلاة الوسطى وطرفًا في باب الترتيب في قضاء الفوائت.
أبواب ستر
العورة
باب وجوب
سترها
1 - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: (قلت يا
رسول اللَّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما
ملكت يمينك قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال: إن استطعت أن لا يراها أحد
فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدنا خاليًا قال: فاللَّه تبارك وتعالى أحق أن يستحيا
منه).
رواه الخمسة إلا النسائي.
الحديث أخرجه أيضًا النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن
علي عن يحيى بن سعيد عن بهز فذكره لا كما قال المصنف وقد علقه البخاري وحسنه
الترمذي وصححه الحاكم وأخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن
حكيم عن أبيه عن جده بدون قوله فإذا كان القوم إلى قوله قلت فإذا كان أحدنا وزاد
بعد قوله فاللَّه أحق أن يستحيا منه لفظ من الناس وقد عرف من السياق أنه وارد في
كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد اللَّه البوني أن المراد بقوله أحق أن يستحيا منه
أي فلا يعصى.
ومفهوم قوله إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك يدل على أنه
يجوز لهما النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر. ويدل أيضًا على أنه لا
يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وكما دل مفهوم
الاستثناء على ذلك فقد دل عليه منطوق قوله فإذا كان القوم بعضهم في بعض ويدل على
أن التعري في الخلاء غير جائز مطلقًا. وقد استدل البخاري على جوازه في الغسل
بقصة موسى وأيوب. ومما يدل على عدم الجواز مطلقًا حديث ابن عمر عند الترمذي
بلفظ: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إياكم والتعري فإن معكم من لا
يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم).
ويدل على ما أشعر به الحديث مفهومًا ومنطوقًا من عدم
جواز نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة حديث أبي سعيد الخدري عند
مسلم وأبي داود والترمذي بلفظ: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى
عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة
في الثوب الواحد).
والحديث يدل على وجوب الستر للعورة كما ذكر المصنف لقوله
(احفظ عورتك) وقوله (فلا يرينها) وقد ذهب قوم إلى عدم وجوب ستر العورة
وتمسكوا بأن تعليق الأمر بالاستطاعة قرينة تصرف الأمر إلى معناه المجازي الذي هو
الندب ورد بأن ستر العورة مستطاع لكل أحد فهو من الشروط التي يراد بها التهييج
والإلهاب كما علم في علم البيان وتمسكوا أيضًا بما سيأتي من كشفه صلى اللَّه عليه
وسلم لفخذه وسيأتي الجواب عليه. والحق وجوب ستر العورة في جميع الأوقات إلا وقت
قضاء الحاجة وإفضاء الرجل إلى أهله كما في حديث ابن عمر السابق وعند الغسل على
الخلاف الذي مر في الغسل ومن جميع الأشخاص إلا في الزوجة والأمة كما في حديث الباب
والطبيب والشاهد والحاكم على نزاع في ذلك.
=====================
باب بيان العورة وحدها
1 - عن علي رضي اللَّه عنه قال: (قال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم: لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حيٍّ ولا ميت).
رواه أبو داود وابن ماجه.
الحديث أخرجه أيضًا الحاكم والبزار من حديث علي وفيه ابن
جريج عن حبيب. وفي رواية أبي داود من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرت
عن حبيب بن أبي ثابت وقد قال أبو حاتم في العلل: إن الواسطة بينهما هو الحسن بن
ذكوان قال: ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم. قال الحافظ: فهذه علة أخرى كذا قال
ابن معين إن حبيبًا لم يسمعه من عاصم وإن بينهما رجلًا ليس بثقة وبيَّن البزار أن
الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي ووقع في زيادات المسند وفي الدارقطني
ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم كما قال الحافظ.
والحديث يدل على أن الفخذ عورة وقد ذهب إلى ذلك العترة
والشافعي وأبو حنيفة. قال النووي: ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة وعن
أحمد ومالك في رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر وابن جرير
والأصطخري. قال الحافظ: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر فقد ذكر المسألة في تهذيبه
ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة واحتجوا بما سيأتي في الباب الذي بعد هذا
والحق أن الفخذ من العورة وحديث علي هذا وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي
الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب كما ستعرف ذلك.
وأما حديث عائشة وأنس الآتيان في الباب الذي بعد هذا
فهما واردان في قضايا معينة مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على
أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى الأحاديث المذكورة في هذا الباب لأنها تتضمن إعطاء
حكم كلي وإظهار شرع عام فكان العمل بها أولى كما قال القرطبي على أن ظرف الفخذ قد
يتسامح في كشفه لا سيما في مواطن الحرب ومواقف الخصام وقد تقرر في الأصول أن القول
أرجح من الفعل.
2 - وعن محمد بن جحش قال: (مر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين
عورة).
رواه أحمد والبخاري في تاريخه.
الحديث أخرجه البخاري أيضًا في صحيحه تعليقًا والحاكم في
المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى
محمد بن جحش عنه فذكره.
قال الحافظ في الفتح: رجاله رجال الصحيح غير أبي كثير فقد
روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحًا بتعديل. وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث من
طريقه أيضًا قال: وقد وقع لي حديث محمد بن جحش هذا مسلسلًا بالمحمديين من
ابتدائه إلى انتهائه وقد أمليته في الأربعين المتباينة.
والحديث يدل على أن الفخذ عورة وقد تقدم ذكر الخلاف فيه
وبيان ما هو الحق. ومحمد بن جحش هذا هو محمد بن عبد اللَّه بن جحش نسب إلى جده
له ولأبيه صحبة وزينب بنت جحش هي عمته ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد اللَّه بن
نضلة القرشي العدوي.
وعن ابن عباس: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: الفخذ عورة).
رواه الترمذي وأحمد ولفظه: (مر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة فقال: غط فخذيك فإن فخذ الرجل من
عورته).
الحديث في إسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو
ضعيف مشهور بكنيته. واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار. وقد
أخرج هذا الحديث البخاري في صحيحه تعليقًا وهو يدل على أن الفخذ عورة وقد تقدم
الكلام في ذلك.
4 - وعن جرهد الأسلمي قال: (مر رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم وعليَّ بردة وقد انكشفت فخذي فقال: غط فخذك فإن الفخذ عورة).
رواه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي وقال:
حسن.
الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه وعلقه البخاري في
صحيحه وضعفه في تاريخه للاضطراب في إسناده. قال الحافظ في الفتح: وقد ذكرت
كثيرًا من طرقه في تغليق التعليق. وجرهد هذا هو بفتح الجيم وسكون الراء وفتح
الهاء. والحديث من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور كما تقدم.
باب من لم
ير الفخذ من العورة وقال هي السوأتان فقط
1 - عن عائشة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كان جالسًا كاشفًا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن
عمر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت: يا رسول
اللَّه استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت
عليك ثيابك فقال: يا عائشة ألا أستحيي من رجل واللَّه إن الملائكة لتستحيي
منه).
رواه أحمد. وروى أحمد هذه القصة من حديث حفصة بنحو ذلك
ولفظه: (دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات يوم فوضع ثوبه بين
فخذيه وفيه فلما استأذن عثمان تجلل بثوبه).
الحديث أخرج نحوه البخاري تعليقًا فقال في صحيحه في بعض
ما يذكر في الفخذ وقال أبو موسى: غطى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ركبتيه
حين دخل عثمان. وأخرجه مسلم من حديث عائشة بلفظ: (قالت: كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه) الحديث
وفيه فلما استأذن عثمان جلس. وحديث حفصة أخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق ابن
جريج قال أخبرني أبو خالد عن عبد اللَّه بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر:
(قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عندي يومًا وقد وضع ثوبه بين
فخذيه فدخل أبو بكر) الحديث.
والحديث استدل به من قال إن الفخذ ليست بعورة وقد تقدم
ذكرهم في الباب الأول وهو لا ينتهض لمعارضة الأحاديث المتقدمة لوجوه: الأول ما
قدمنا من أنها حكاية فعل. الثاني أنها لا تقوى على معارضة تلك الأقوال الصحيحة
العامة لجميع الرجال. الثالث التردد الواقع في رواية مسلم التي ذكرناها ما بين
الفخذ والساق والساق ليس بعورة إجماعًا. الرابع غاية ما في هذه الواقعة أن يكون ذلك
خاصًا ـ أقول: أما دعوى الخصوصية في هذا غير معقولة إذ كيف يأمر بالحياء غيره
وهو في المكان الأعلى من ذلك. فيحمل أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم صرف
الأمر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الكراهة فتدبر. واللَّه أعلم ـ. بالنبي صلى
اللَّه عليه وسلم لأنه لم يظهر فيها دليل يدل على التأسي به في مثل ذلك فالواجب
التمسك بتلك الأقوال الناصة على أن الفخذ عورة.
2 -وعن أنس: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم
خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه).
رواه أحمد والبخاري وقال: حديث أنس أسند وحديث جرهد
أحوط.
قوله (حسر الإزار) بمهملات مفتوحات أي كشف وضبطه
بعضهم بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر. قال
الحافظ: وليس ذلك بمستقيم إذ لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند
البخاري على خلافه وزاد البخاري في هذا الحديث عن أنس بلفظ: (وإن ركبتي لتمس
فخذ نبي اللَّه) وهو من جملة حجج القائلين بأن الفخذ ليست بعورة لأن ظاهره أن المس
كان بدون الحائل ومس العورة بدون حائل لا يجوز ورد بما في صحيح مسلم ومن تابعه من
أن الإزار لم تنكشف بقصد منه صلى اللَّه عليه وسلم ويمكن أن يقال إن الاستمرار على
ذلك يدل على مطلوبهم لأنه وإن كان من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك
لمكان عصمته صلى اللَّه عليه وسلم وظاهر سياق أبي عوانة والجوزقي من طريقي عبد
الوارث عن عبد العزيز يدل على استمرار ذلك لأنه بلفظ: (فأجرى رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي اللَّه وإني لأرى بياض
فخذيه) وقد عرفت الجواب عن هذا الاحتجاج مما سلف.
باب بيان
أن السرة والركبة ليستا من العورة
1 - عن أبي موسى: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان
غطاها).
رواه البخاري.
الحديث في البخاري في كتاب الصلاة باللفظ الذي ذكرناه في
شرح حديث عائشة وقد تقدم الكلام على الحديث هنالك وهو بهذا اللفظ المذكور هنا في
المناقب من صحيح البخاري. واستدل المصنف به وبما بعده لمذهب من قال إن الركبة
والسرة ليستا من العورة أما الركبة فقال الشافعي: إنها ليست عورة وقال الهادي والمؤيد
باللَّه وأبو حنيفة وعطاء وهو قول الشافعي: إنها عورة وأما السرة فالقائلون بأن
الركبة عورة قائلون بأنها غير عورة وخالفهم في ذلك الشافعي فقال: إنها عورة على
عكس ما مر له في الركبة والاحتجاج بحديث الباب لمن قال إن الركبة ليست بعورة لا
يتم لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء وقد تقدم في الغسل أدلة جوازه والخلاف فيه
وأيضًا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية
الأمر الاحتمال.
واستدل القائلون بأن الركبة من العورة بحديث أبي أيوب
عند الدارقطني والبيهقي بلفظ: (عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته) وحديث أبي
سعيد مرفوعًا عند الحارث ابن أبي أسامة في مسنده بلفظ: (عورة الرجل ما بين
سرته وركبته) وحديث عبد اللَّه بن جعفر عند الحاكم بنحوه قالوا: والحد يدخل في
المحدود كالمرفق وتغليبًا لجانب الحصر ورد أولًا بأن حديث أبي أيوب فيه عباد بن
كثير وهو متروك وحديث أبي سعيد فيه شيخ الحارث ابن أبي أسامة داود بن المحبر رواه
عن عباد بن كثير عن أبي عبد اللَّه الشامي عن عطاء عنه وهو مسلسل بالضعفاء إلى
عطاء وحديث عبد اللَّه بن جعفر فيه أصرم بن حوشب وهو متروك وبالمنع من دخول الحد
في المحدود والقياس على الوضوء باطل لأنه دخل بدليل آخر ولأن غسله من مقدمة الواجب
وأيضًا يلزمهم القول بأن السرة عورة وهم لا يقولون بذلك والجواب الجواب.
وقد استدل المهدي في البحر للقائلين بأن الركبة عورة لا
السرة بقوله صلى اللَّه عليه وسلم (أسفل من سرته إلى ركبته) وبتقبيل أبي هريرة
سرة الحسن وروايته ذلك عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما سيأتي.
ويمكن الاستدلال لمن قال إن السرة والركبة ليستا من
العورة بما في سنن أبي داود والدارقطني وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده في حديث (وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة
وفوق الركبة) ورواه البيهقي أيضًا ولكنه أخص من الدعوى والدليل على مدعي أنهما
عورة والواجب البقاء على الأصل والتمسك بالبراءة حتى ينتهض ما يتعين به الانتقال
فإن لم يوجد فالرجوع إلى مسمى العورة لغة هو الواجب ويضم إليه الفخذان بالنصوص
السالفة.
2 - وعن عمير بن إسحاق قال: (كنت مع الحسن بن علي
فلقينا أبو هريرة فقال: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يقبل فقال بقميصه فقبل سرته).
رواه أحمد.
الحديث في إسناده عمير بن إسحاق الهاشمي مولاهم وفيه
مقال. وقد أخرجه الحاكم وصححه بإسناد آخر من غير طريق عمير المذكور وقد استدل به
من قال إن السرة ليست بعورة وهو لا يفيد المطلوب لأن فعل أبي هريرة لا حجة فيه
وفعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقع والحسن طفل وفرق بين عورة الصغير والكبير
وإلا لزم أن ذكر الرجل ليس بعورة لما روي أنه صلى اللَّه عليه وسلم قبل زبيبة
الحسن أو الحسين أخرجه الطبراني والبيهقي من حديث أبي ليلى الأنصاري قال
البيهقي: وإسناده ليس بالقوي وروي أيضًا من حديث ابن عباس بلفظ: (رأيت رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرج ما بين فخذي الحسين وقبل زبيبته) أخرجه الطبراني
وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان وقد ضعفه النسائي. قال ابن الصلاح: ليس في حديث
أبي ليلى تردد بين الحسن والحسين إنما هو الحسن وقد وقع الإجماع على أن القبل
والدبر عورة فاللازم باطل فلا يكون الحديث متمسكًا لمن قال إن السرة ليست بعورة
وقد حكى المهدي في البحر الإجماع على أن سرة الرجل ليست بعورة ثم قال: وفي دعوى
الإجماع نظر وقد عرفناك أن القائل بذلك غير محتاج إلى الاستدلال عليه.
قوله (فقال بقميصه) هذا من التعبير بالقول عن الفعل
وهو كثير.
3 - وعن عبد اللَّه بن عمر قال: (صلينا مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مسرعًا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه فقال:
أبشروا هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء يباهي بكم يقول: انظروا إلى عبادي
قد صلوا فريضة وهم ينتظرون أخرى).
رواه ابن ماجه.
الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح فإنه قال
حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا النضر بن شميل حدثنا حماد عن ثابت عن أبي أيوب
عن عبد اللَّه بن عمرو فذكره.
قوله (وعقب من عقب) يقال عقبه تعقيبًا إذا جاء بعقبة
وقال في النهاية: إن معنى قوله عقب أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة يقال
صلى القوم وعقب فلان.
قوله (حفزه النفس) في القاموس حفزه يحفزه دفعه من خلفه
وبالرمح طعنه وعن الأمر أعجله وأزعجه اهـ.
والحديث من أدلة من قال إن الركبة ليست بعورة وقد تقدم
الكلام على ذلك وفيه إن انتظار الصلاة بعد فعل الصلاة من موجبات الأجر وأسباب
مباهاة رب العزة لملائكته بمن فعل ذلك.
4 - وعن أبي الدرداء قال: (كنت جالسًا مع النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم إذا أقبل أبو بكر أخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: أما صاحبكم فقد غامر فسلم) وذكر الحديث.
رواه أحمد والبخاري.
قوله (غامر) المغامر في الأصل الملقي بنفسه في
الغمرة وغمرة الشيء شدته ومزدحمه الجمع غمرات. والمراد بالمغامرة هنا المخاصمة
أخذًا من الغمر الذي هو الحقد والبغض. والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة.
قال المصنف رحمه اللَّه: والحجة منه أنه أقره على كشف
الركبة ولم ينكره عليه اهـ.
باب أن
المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها
1 - عن عائشة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار).
رواه الخمسة إلا النسائي.
الحديث أخرجه أيضًا ابن خزيمة والحاكم وأعله الدارقطني
بالوقف وقال: إن وقفه أشبه وأعله الحاكم بالإرسال ورواه الطبراني في الصغير
والأوسط من حديث أبي قتادة بلفظ: (لا يقبل اللَّه من امرأة صلاة حتى تواري
زينتها ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر).
قوله (لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار) قد تقدم
الكلام على لفظ القبول وما يدل عليه. والحائض من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة
للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة وهو مبين في رواية ابن خزيمة في صحيحه بلفظ: (لا
يقبل اللَّه صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار) وقوله (إلا بخمار) هو بكسر الخاء
ما يغطى به رأس المرأة. قال صاحب المحكم: الخمار النصيف وجمعه أخمرة وخمر.
والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة لرأسها حال الصلاة
واستدل به من سوى بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض ولم يفرق بين الحرة
والأمة وهو قول أهل الظاهر. وفرقت العترة والشافعي وأبو حنيفة والجمهور بين عورة
الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل. والحجة لهم ما
رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما وقد ذكرنا لفظ الحديث في شرح حديث أبي موسى
المتقدم في الباب الذي قبل هذا وبما رواه أبو داود أيضًا بلفظ: (إذا زوج أحدكم
عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها) قالوا: والمراد بالعورة المذكورة في هذا الحديث
ما صرح ببيانه في الحديث الأول. وقال مالك: الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها
فليس بعورة وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الإماء لرؤوسهن هكذا حكاه عنه ابن
عبد البر في الاستذكار. قال العراقي في شرح الترمذي: والمشهور عنه أن عورة
الأمة كالرجل وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين
وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد قوليه والشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى
الروايتين عنه ومالك. وقيل والقدمين وموضع الخلخال وإلى ذلك ذهب القاسم في قول
وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس وقيل بل جميعها إلا الوجه وإليه ذهب
أحمد بن حنبل وداود. وقيل جميعها بدون استثناء وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وروي
عن أحمد.
وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف
في تفسير قوله تعالى {إلا ما ظهر منها} وقد استدل بهذا الحديث على أن ستر
العورة شرط في صحة الصلاة لأن قوله لا يقبل صالح للاستدلال به على الشرطية كما
قيل.
وقد اختلف في ذلك فقال الحافظ في الفتح: ذهب الجمهور
إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة قال: وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر
والناسي ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة اهـ.
ـ احتج الجمهور ـ بقوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل
مسجد} وبما أخرجه البخاري تعليقًا ووصله في تاريخه وأبو داود وابن خزيمة وابن
حبان عن سلمة بن الأكوع قال: (قلت يا رسول اللَّه إني رجل أتصيد أفأصلي في
القميص الواحد قال: نعم زره ولو بشوكة) وسيأتي الكلام على هذا الحديث في باب
من صلى في قميص غير مزرر. وبحديث بهز بن حكيم المتقدم في أول هذه الأبواب.
ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب. وأما
الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها لأن الشرط
حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب
والحديث الآتي بعده وبحديث أبي قتادة عند الطبراني بلفظ: (لا يقبل اللَّه من
امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا جارية بلغت المحيض حتى تختمر) لكن لا يصفو الاستدلال
بذلك عن شوب كدر لأنه أولًا يقال نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية لأنه قد
نفى القبول عن صلاة الآبق ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عرافًا مع ثبوت الصحة
بالإجماع. وثانيًا بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة وهو أخص من
الدعوى وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح ههنا لوجود الفارق وهو ما في تكشف المرأة من
الفتنة وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل. وثالثًا بحديث سهل بن سعد عند الشيخين
وأبي داود والنسائي بلفظ: (كان الرجال يصلون مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم
عاقدين أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى تستوي
الرجال جلوسًا) زاد أبو داود (من ضيق الأزر) وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلًا
عن شرطيته. ورابعًا بحديث عمرو بن سلمة وفيه: (فكنت أئمهم وعليَّ بردة
مفتوقة فكنت إذا سجدت تقلصت عني) وفي رواية: (خرجت أستي فقالت امرأة من
الحي: ألا تغطوا عنا أست قارئكم) الحديث أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي
فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم
الصحة.
ـ وقد احتج القائلون ـ لعدم الشرطية على مطلوبهم بحجج
فقهية واهية منها قولهم: لو كان الستر شرطًا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى
النية ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود
والأول منقوض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها والثاني باستقبال القبلة
فإنه غير مفتقر إلى النية. والثالث بالعاجز عن القراءة والتسبيح فإنه يصلي
ساكتًا.
2 - وعن أم سلمة: (أنها سألت النبي صلى اللَّه عليه
وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار وقال: إذا كان الدرع سابغًا
يغطي ظهور قدميها).
رواه أبو داود.
3 - وعن ابن عمر قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة فقالت أم
سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن قال: يرخين شبرًا قالت: إذن ينكشف أقدامهن
قال: فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه).
رواه النسائي والترمذي وصححه. ورواه أحمد ولفظه:
(أن نساء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سألته عن الذيل فقال: اجعلنه شبرًا
فقلن: إن شبرًا لا يستر من عورة فقال: اجعلنه ذراعًا).
حديث أم سلمة أخرجه أيضًا الحاكم وأعله عبد الحق بأن مالكًا
وغيره رووه موقوفًا. قال الحافظ: وهو الصواب ولكنه قد قال الحاكم: إن رفعه
صحيح على شرط البخاري اهـ. وفي إسناده عبد الرحمن بن دينار وفيه مقال قال في
التقريب: صدوق يخطئ من السابعة.
قال أبو داود: روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر
وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن
أم سلمة لم يذكر واحد منهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم قصروا به عن أم سلمة اهـ.
والرفع زيادة لا ينبغي إلغاؤها كما هو مصطلح أهل الأصول وبعض أهل الحديث وهو الحق
وحديث ابن عمر هو للجماعة كلهم بدون قول أم سلمة وجواب النبي صلى اللَّه عليه وسلم
عليها وسيأتي الكلام عليه في باب الرخصة في اللباس الجميل من كتاب اللباس.
وقد استدل بحديث أم سلمة فإن في بعض ألفاظه أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم قال لها: لا بأس إذا كان الدرع سابغًا الخ كما في التلخيص على
أن ستر بدن المرأة من شروط صحة الصلاة لأن تقييد نفي البأس بتغطية القدمين مشعر أن
البأس فيما عداه ليس إلا فساد الصلاة وأنت خبير بأن هذا الإشعار لو سلم لم يستلزم
حصر البأس في الإفساد لأن نقصان الأجر الموجب لنقص الصلاة وعدم كمالها مع صحتها
بأس ولو سلم ذلك الاستلزام فغايته أن يفيد الشرطية في النساء كما عرفت مما سلف.
وفي هذا الحديث دليل لمن لم يستثن القدمين من عورة
المرأة لأن قوله (يغطي ظهور قدميها) يدل على عدم العفو وهكذا استدل من قال
بالشرطية بما في حديث ابن عمر من قوله صلى اللَّه عليه وسلم (يرخين شبرًا) وقوله
(يرخينه ذراعًا) وهو كما عرفت غير صالح للاستدلال به على الشرطية المدعاة
وغاية ما فيه أن يدل على وجوب ذلك. وفيه أيضًا حجة لمن قال: إن قدمي المرأة عورة.
قوله (في درع) هو قميص المرأة الذي يغطي بدنها
ورجلها ويقال له سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل.
قوله (يرخين شبرًا) قال ابن رسلان: الظاهر أن
المراد بالشبر والذراع أن يكون هذا القدر زائدًا على قميص الرجل لا أنه زائد على
الأرض.
باب النهي
عن تجريد المنكبين في الصلاة إلا إذا وجد ما يستر العورة وحدها
1 - عن أبي هريرة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم قال: لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
رواه البخاري ومسلم ولكن قال: (على عاتقيه) ولأحمد
اللفظان.
الحديث اتفق عليه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قوله (لا يصلين) في لفظ: (لا يصلي) قال ابن
الأثير: كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى
النهي.
قال الحافظ: ورواه الدارقطني في غرائب مالك بلفظ:
(لا يصل) ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ: (لا يصلين) بزيادة
نون التأكيد ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ: (نهى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم).
قوله (ليس على عاتقه منه شيء) العاتق ما بين
المنكبين إلى أصل العنق والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل
يتوشح بهما على عاتقيه فيحصل الستر من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة أو لكون ذلك
أمكن في ستر العورة. قال النووي: قال العلماء: حكمته أنه إذا اتزر به ولم يكن
على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه ولأنه
قد يحتاج إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره
ورفعهما.
والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد. قال
النووي: ولا خلاف في هذا إلا ما حكى عن ابن مسعود ولا أعلم صحته وأجمعوا أن
الصلاة في ثوبين أفضل. ويدل أيضًا على المنع من الصلاة في الثوب الواحد إذا يكن
على عاتق المصلي منه شيء وقد حمل الجمهور هذا النهي على التنزيه وعن أحمد لا تصح
صلاة من قدر على ذلك فتركه وعنه أيضًا تصح ويأثم وغفل الكرماني عن مذهب أحمد فادعى
الإجماع على جواز ترك جعل طرف الثوب على العاتق وجعله صارفًا للنهي عن التحريم إلى
الكراهة. وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي عدم الجواز وكلام الترمذي يدل على
ثبوت الخلاف أيضًا وعقد الطحاوي له بابًا في شرح المغني ونقل المنع عن ابن عمر ثم
عن طاوس والنخعي ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير وجمع الطحاوي بين الأحاديث بأن
الأصل أن يصلي مشتملًا فإن ضاق اتزر.
ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن الشافعي واختاره.
قال الحافظ: لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه. واستدل الخطابي على عدم
الوجوب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه
وهي نائمة قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به
ويفضل منه ما كان لعاتقه وفيما قاله نظر لا يخفى قاله الحافظ. إذا تقرر لك عدم
صحة الإجماع الذي جعله الكرماني صارفًا للنهي فالواجب الجزم بمعناه الحقيقي وهو
تحريم ترك جعل طرف الثوب الواحد حال الصلاة على العاتق والجزم بوجوبه مع المخالفة
بين طرفيه بالحديث الآتي حتى ينتهض دليل يصلح للصرف ولكن هذا في الثوب إذا كان
واسعًا جمعًا بين الأحاديث كما سيأتي التصريح بذلك في حديث جابر. وقد عمل بظاهر
الحديث ابن حزم فقال: وفرض على الرجل إن صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو
عاتقيه فإن لم يفعل بطلت صلاته فإن كان ضيقًا اتزر به وأجزأه سواء كان معه ثياب
غيره أو لم يكن ثم ذكر ذلك عن نافع مولى ابن عمر والنخعي وطاوس.
2 - وعن أبي هريرة قال: (سمعت رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يقول: من صلى في ثوب واحد فليخالف بطرفيه).
رواه البخاري وأحمد وأبو داود وزاد: (على
عاتقيه).
أخرج هذه الزيادة أحمد وكذا الإسماعيلي وأبو نعيم من
طريق حسين عن شيبان. وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب وخالفهم في ذلك
أحمد. والخلاف في الأمر ههنا كالخلاف في النهي في الحديث الذي قبل هذا.
وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة عند الجماعة كلهم وعن سلمة
بن الأكوع عند أبي داود والنسائي وعن أنس عند البزار والموصلي في مسنديهما وعن
عمرو بن أبي أسد عند البغوي في معجم الصحابة والحسن بن سفيان في مسنده وعن أبي
سعيد عند مسلم وابن ماجه وعن كيسان عند ابن ماجه وعن ابن عباس عند أحمد بإسناد
صحيح وعن عائشة عند أبي داود وعن أم هانئ عند الشيخين وعن عمار بن ياسر عند أبي
يعلى والطبراني وعن طلق بن علي عند أبي داود وعن عبادة بن الصامت عند الطبراني وعن
أُبيَّ بن كعب عند عبد اللَّه بن أحمد في زياداته على المسند وعن حذيفة عند أحمد
وعن سهل بن سعد عند الشيخين وأبي داود والنسائي وعن عبد اللَّه بن أبي أمية عند
الطبراني وعن عبد اللَّه بن أنيس عند الطبراني أيضًا وعن عبد اللَّه بن سرجس عند
الطبراني أيضًا وعن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن المغيرة عند أحمد وعن عبد اللَّه
بن عمر عند أبي داود وعن علي بن أبي طالب عند الطبراني وعن معاذ عند الطبراني
أيضًا وعن معاوية عند الطبراني أيضًا وعن أبي أمامة عند الطبراني أيضًا وعن أبي
بكر الصديق عند أبي يعلى الموصلي وعن أبي عبد الرحمن حاضن عائشة عند الطبراني وعن
أم حبيبة عند أحمد وعن أم الفضل عند أحمد وعن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم لم يسم عند أحمد بإسناد صحيح.
3 - وعن جابر عن عبد اللَّه: (أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم قال: إذا صليت في ثوب واحد فإن كان واسعًا فالتحف به وإن كان
ضيقًا فاتزر به).
متفق عليه. ولفظه لأحمد. وفي لفظ له آخر: قال:
(قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إذا ما اتسع الثوب فلتعاطف به
على منكبيك ثم صل وإذا ضاق عن ذلك فشد به حقويك ثم صل من غير رداء).
قوله (فالتحف به) الالتحاف بالثوب التغطي به كما
أفاده في القاموس. والمراد أنه لا يشد الثوب في وسطه فيصلي مكشوف المنكبين بل
يتزر به ويرفع طرفيه فليلتحف بهما فيكون بمنزلة الإزار والرداء هذا إذا كان الثوب
واسعًا وأما إذا كان ضيقًا جاز الاتزار به من دون كراهة وبهذا يجمع بين الأحاديث
كما ذكره الطحاوي وغيره.
واختاره ابن المنذر وابن حزم وهو الحق الذي يتعين المصير
إليه فالقول بوجوب طرح الثوب على العاتق والمخالفة من غير فرق بين الثوب الواسع
والضيق ترك للعمل بهذا الحديث وتعسير مناف للشريعة السمحة وإن أمكن الاستئناس له
بحديث (أن رجالًا كانوا يصلون مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عاقدي أزرهم
على أعناقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى تستوي الرجال
جلوسًا) عند الشيخين وأبي داود والنسائي من حديث سهل بن سعد.
قوله (فشد به حقويك) الحقو بفتح الحاء المهملة موضع
شد الإزار وهو الخاصرة ثم توسعوا فيه حتى سموا الإزار الذي يشد على العورة
حقوًا.
باب من
صلى في قميص غير مزرر تبدو منه عورته في الركوع أو غيره
1 - عن سلمة بن الأكوع قال: (قلت يا رسول اللَّه إني
أكون في الصيد وأصلي وليس عليَّ إلا قميص واحد قال: فزره وإن لم تجد إلا
شوكة).
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
الحديث أخرجه أيضًا الشافعي وابن خزيمة والطحاوي وابن
حبان والحاكم وعلقه البخاري في صحيحه ووصله في تاريخه وقال: في إسناده نظر.
قال الحافظ: وقد بينت طرقه في تغليق التعليق وله شاهد
مرسل وفيه انقطاع أخرجه البيهقي وقد رواه البخاري أيضًا عن إسماعيل بن أبي أويس عن
أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة زاد في الإسناد رجلًا ورواه أيضًا عن
مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة فصرح
بالتحديث بين موسى وسلمة فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل
الأسانيد أو يكون التصريح في رواية عطاف وهمًا فهذا وجه النظر في إسناده الذي ذكره
البخاري. وأما من صححه فاعتمد على رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها.
وطريق عطاف أخرجها أيضًا أحمد والنسائي. وأما قول ابن القطان أن موسى هو ابن
محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى
جده فليس بمستقيم لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي فلا
تردد نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم فإن كان محفوظًا فيحتمل على بعد
أن يكونا جميعًا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي وإلا فذكر محمد فيه شاذ كذا
قال الحافظ.
قوله (في الصيد) جاء في رواية بلفظ: (إنا نكون
في الصف) وفي أخرى بالصف وقد جمع ابن الأثير بين الروايات في شرحه للمسند بما
حاصله أن ذكر الصيد لأن الصائد يحتاج أن يكون خفيفًا ليس عليه ما يشغله عن الإسراع
في طلب الصيد وذكر الصف معناه أن يصلي في جماعة وليس عليه إلا قميص واحد فربما بدت
عورته وذكر الصف لأنه مظنة للحر لا سيما في الحجاز لا يمكن معه الإكثار من
اللباس.
قوله (فزره) هكذا وقع هنا. وفي رواية البخاري
قال: يزره. وفي رواية أبي داود: فازرره. وفي رواية ابن حبان والنسائي زره
والمراد شد القميص والجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته ولو لم يمكنه ذلك إلا بأن
يغرز طرف شوكة يستمسك بها.
والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد وفي القميص
منفردًا عن غيره مقيدًا بعقد الزرار وقد تقدم الخلاف في ذلك.
2 - وعن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم).
رواه أحمد وأبو داود.
هذا الحديث وقع البحث عنه في سنن أبي داود ومسند أحمد
والجامع الكبير ومجمع الزوائد فلم يوجد بهذا اللفظ فينظر في نسبة المصنف له إلى
أحمد وأبي داود ولكنه يشهد له الأمر بشد الإزار على الحقو وقد تقدم لأن الاحتزام
شد الوسط كما في القاموس وغيره وكذلك حديث (وإن كان ضيقًا فاتزر به) عند
الشيخين كما تقدم لأن الاتزار شد الإزار على الحقو فيكون هذا النهي مقيدًا بالثوب الضيق
كما في غيره من الأحاديث وقد تقدم الكلام على ذلك.
3 - وعن عروة بن عبد اللَّه عن معاوية بن قرة عن أبيه
قال: (أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه
لمطلق قال: فبايعته فأدخلت يدي من قميصه فمسست الخاتم قال عروة: فما رأيت
معاوية ولا أباه في شتاء ولا حر إلا مطلقي إزرارهما لا يزرران أبدًا).
رواه أحمد وأبو داود.
الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وابن ماجه وذكر الدارقطني أن
هذا الحديث تفرد به ـ لم يذكر اسم من تفرد به ولعله زهير عن عروة لأن الحافظ ذكر
في الإصابة عن البغوي في ترجمة قرة المذكور هذا الحديث ثم قال: قال البغوي:
غريب لا أعلم رواه غير زهير عن عروة ولعله سقط من النسخة. تنبه. واللَّه أعلم ـ.
وذكر ابن عبد البر أن قرة بن إياس والد معاوية المذكور ولم يرو عنه غير ابنه
معاوية وفي إسناده أبو مهل بميم ثم هاء مفتوحتين ولام مخففة الجعفي الكوفي وقد
وثقه أبو زرعة الرازي وذكره ابن حبان.
قوله (وعن عروة بن عبد اللَّه) هو ابن نفيل النفيلي
وقيل ابن قشير وهو أبو مهل المذكور الراوي عن معاوية بن قرة.
قوله (وإن قميصه) بكسر الهمزة لأنها بعد واو
الحال.
قوله (لمطلق) أي غير مشدود وكان عادة العرب أن تكون
جيوبهم واسعة فربما يشدونها وربما يتركونها مفتوحة مطلقة.
قوله (فمسست) بكسر السين الأولى.
قوله (الخاتم) يعني خاتم النبوة تبركًا به وليخبر به
من لم يره.
قوله (إلا مطلقي) بكسر اللام وفتح القاف.
والحديث يدل على أن إطلاق الزرار من السنة. والمصنف
أورد ههنا توهمًا منه أنه معارض بحديث سلمة بن الأكوع الذي مر وليس الأمر كذلك لأن
حديث سلمة خاص بالصلاة وهذا الحديث ليس فيه ذكر الصلاة ويمكن أن يكون مراد المصنف
بإيراده ههنا الاستدلال به على جواز إطلاق الزرار في غير الصلاة وإن كانت ترجمة الباب
لا تساعد على ذلك قال رحمه اللَّه: وهذا محمول على أن القميص لم يكن وحده اهـ.
باب استحباب الصلاة في ثوبين وجوازها في الثوب الواحد
1 - عن أبي هريرة: (أن سائلًا سأل النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال: أولكلكم ثوبان).
رواه الجماعة إلا الترمذي زاد البخاري في رواية: (ثم
سأل رجل عمر فقال: إذا وسع اللَّه فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار
ورداء في إزار وقميص في إزار وقبا في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقبا
في تبان وقبا في تبان وقميص. قال: وأحسبه قال: في تبان ورداء).
قوله (أن سائلًا) ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في
كتابه المبسوط أن السائل ثوبان.
قوله (أولكلكم ثوبان) قال الخطابي: لفظه استخبار
ومعناه الإخبار على ما هم عليه من قلة الثياب ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى
كأنه يقول: إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان
فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة أي مع مراعاة ستر العورة. وقال
الطحاوي: معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا
ثوبًا واحدًا اهـ. قال الحافظ: وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر
وغيره والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة.
قوله (ثم سأل رجل عمر) يحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه
اختلف هو وأُبيَّ بن كعب فقال أُبيَّ: الصلاة في الثوب الواحد غير مكروهة وقال ابن
مسعود: إنما كان ذلك وفي الثياب قلة فقام عمر على المنبر فقال: القول ما قال
أُبيَّ ولم يأل ابن مسعود أي لم يقصر أخرجه عبد الرزاق.
قوله (جمع رجل) هذا من قول عمر وأورده بصيغة الخبر
ومراده الأمر. قال ابن بطال: يعني ليجمع وليصل وقال ابن المنير: الصحيح أنه
كلام في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصور.
قال ابن مالك: تضمن هذا فائدتين: الأولى ورود الماضي بمعنى الأمر في قوله صلى
والمعنى ليصل والثانية حذف حرف العطف ومثله قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم
(تصدق امرؤ من ديناره من درهمه من صاع تمره).
قوله (في سراويل) قال ابن سيده: السراويل فارسي
معرب يذكر ويؤنث ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير والأشهر عدم صرفه.
قوله (وقبا) بالقصر وبالمد. قيل هو فارسي معرب
وقيل عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك سمي بذلك لانضمام أطرافه.
قوله (في تبان) التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة
وهو على هيئة السراويل إلا أنه ليس له رجلان وهو يتخذ من جلد.
قوله (وأحسبه) القائل أبو هريرة والضمير في أحسبه
راجع إلى عمر ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره فقدم
ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة وقدم أسترها وأكثرها استعمالًا لهم وضم إلى كل
واحد واحدًا فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة ولم يقصد الحصر في ذلك بل
يلحق به ما يقوم مقامه.
والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة ولم
يخالف في ذلك إلا ابن مسعود وقد تقدم ذلك وتقدم قول النووي لا أعلم صحته وتقدم
الإجماع على أن الصلاة في ثوبين أفضل صرح بذلك القاضي عياض وابن عبد البر والقرطبي
والنووي وفي قول ابن المنذر واستحب بعضهم الصلاة في ثوبين إشعار بالخلاف.
2 - وعن جابر: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
صلى في ثوب واحد متوشحًا به).
متفق عليه.
الحديث أخرجه مسلم من رواية سفيان الثوري عن أبي الزبير
عن جابر ومن رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير. ورواه أبو داود من رواية محمد
بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: (أمنا جابر) الحديث ولم يخرجه
البخاري من حديث جابر بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف بل أخرج نحوه من حديث عمر بن
أبي سلمة الذي سيأتي.
قوله (متوشحًا به) قال ابن عبد البر حاكيًا عن الأخفش:
إن التوشح هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن
ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر قال: وهذا التوشح
الذي جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحًا به.
والحديث يدل على جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا توشح
به المصلي وقد تقدم الكلام في ذلك.
3 - وعن عمر بن أبي سلمة قال: (رأيت النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحًا به في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه
على عاتقيه).
رواه الجماعة.
قوله (متوشحًا به) في البخاري والترمذي مشتملًا.
وفي بعض روايات مسلم: (ملتحفًا به) وقد جعلها النووي بمعنى واحد فقال:
المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناه واحد هنا وقد سبقه إلى ذلك الزهري وفرق
الأخفش بين الاشتمال هو أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه ويرد طرف
الثوب الأيمن على منكبه الأيسر قال: والتوشح وذكر ما قدمنا عنه في شرح الحديث
الذي قبل هذا.
وفائدة التوشح والاشتمال والالتحاف المذكورة في هذه الأحاديث
أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود
قاله ابن بطال.
قوله (قد ألقى طرفيه على عاتقيه) قد تقدم الكلام في
ذلك.
والحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد صحيحة إذا
توشح به المصلي أو وضع طرفه على عاتقه أو خالف بين طرفيه وقد تقدم الكلام في
ذلك.
باب
كراهية اشتمال الصماء
1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: (نهى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه
منه شيء وأن يشتمل الصماء بالثوب الواحد ليس على أحد شقيه منه يعني شيء).
متفق عليه. وفي لفظ لأحمد: (نهى عن لبستين أن يحتبي
أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن
يخالف بطرفيه على عاتقيه).
قوله (أن يحتبي) الاحتباء أن يقعد على إليتيه وينصب
ساقيه ويلف عليه ثوبًا ويقال له الحبوة وكانت من شأن العرب.
قوله (ليس على فرجه منه شيء) فيه دليل على أن الواجب
ستر السوأتين فقط ـ نهى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن تلك الهيئة لا يدل على
جواز غيرها حتى يستدل منه على أن الواجب ستر السوأتين فقط. واللَّه أعلم ـ.
لأنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شيء ومقتضاه أن الفرج إذا كان مستورًا فلا
نهي.
قوله (وأن يشتمل الصماء) هو بالصاد المهملة والمد قال
أهل اللغة: هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبًا ولا يبقي ما تخرج منه
يده. قال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فيصير كالصخرة الصماء
التي ليس فيها خرق. وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه
فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديًا. قال النووي: فعلى تفسير أهل اللغة يكون
مكروهًا لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر وعلى تفسير الفقهاء
يحرم لأجل انكشاف العورة. قال الحافظ: ظاهر سياق البخاري من رواية يونس في
اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع وهو موافق لما قال الفقهاء ولفظه سيأتي في
هذا الباب وعلى تقدير أن يكون موقوفًا فهو حجة على الصحيح لأنه تفسير من الراوي لا
يخالف ظاهر الخبر.
قوله (وفي لفظ لأحمد) هذه الرواية موافقة لما عند
الجماعة في المعنى إلا أن فيها زيادة وهو قوله إذا ما صلى وهي غير صالحة لتقييد
النهي بحالة الصلاة لأن كشف العورة محرم في جميع الحالات إلا ما استثني والنهي عن
الاحتباء والاشتمال لكونهما مظنة الانكشاف فلا يختص بتلك الحالة.
قوله (لبستين) هو بكسر اللام لأن المراد بالنهي
الهيئة المخصوصة لا المرة الواحدة من اللبس.
والحديث يدل على تحريم هاتين اللبستين لأنه المعنى
الحقيقي للنهي وصرفه إلى الكراهة مفتقر إلى دليل.
2 - وعن أبي سعيد: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء).
رواه الجماعة إلا الترمذي فإنه رواه من حديث أبي
هريرة. وللبخاري (نهى عن لبستين) واللبستان اشتمال الصماء والصماء أن يجعل
ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه
وهو جالس ليس على فرجه منه شيء).
قد تقدم الكلام على الحديث في شرح الذي قبله.
باب النهي
عن السدل والتلثم في الصلاة
1 - عن أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه).
رواه أبو داود. ولأحمد والترمذي عنه النهي عن السدل.
ولابن ماجه النهي عن تغطية الفم.
الحديث قال الترمذي: لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي
هريرة مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان ـ قال الحافظ في التقريب: عسل بكسر أوله
وسكون المهملة وقيل بفتحتين التيمي أبو قرة البصري ضعيف من السادسة. واللَّه
أعلم ـ. وأخرجه الحاكم في المستدرك من الطريق التي رواها أبو داود بالزيادة التي
ذكرها وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا فيه تغطية الرجل فاه في
الصلاة اهـ وكلامه هذا يفهم أنهما أخرجا أصل الحديث مع أنهما لم يخرجاه.
وفي الباب عن أبي جحيفة عند الطبراني في معاجمه الثلاثة والبزار
في مسنده وفي إسناده حفص ابن أبي داود وقد اختلف فيه عليه وهو ضعيف وكذلك أبو مالك
النخعي وقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. قال البيهقي: وقد
كتبناه من حديث إبراهيم ابن طهمان عن الهيثم فإن كان محفوظًا فهو أحسن من رواية
حفص.
وفي الباب أيضًا عن ابن مسعود عند البيهقي وقد تفرد به
بسر بن رافع وليس بالقوي. وعن ابن عباس عند ابن عدي في الكامل وفي إسناده عيسى
بن قرطاس وليس بثقة وقال النسائي: متروك الحديث وقال ابن عدي: هو ممن يكتب
حديثه.
وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديث الباب فمنهم من لم
يحتج به لتفرد عسل بن سفيان وقد ضعفه أحمد. قال الخلال: سئل أحمد عن حديث
السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة فقال: ليس هو بصحيح الإسناد وقال: عسل بن
سفيان غير محكم الحديث وقد ضعفه الجمهور يحيى بن معين وأبو حاتم والبخاري وآخرون
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ ويخالف على قلة روايته اهـ. وقد أخرج له
الترمذي هذا الحديث فقط وأبو داود أخرج له هذا وحديثًا آخر وقد تقدم تصحيح الحاكم لحديث
أبي هريرة. وعسل بن سفيان لم يتفرد به فقد شاركه في الرواية عن عطاء الحسن بن
ذكوان وترك يحيى له لم يكن إلا لقوله أنه كان قدريًا وقد قال ابن عدي: أرجو أنه
لا بأس به.
قوله (نهى عن السدل) قال أبو عبيدة في غريبه:
السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل وقال
صاحب النهاية: هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك
قال: وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب قال: وقيل هو أن يضع وسط الإزار على
رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه.
وقال الجوهري: سدل ثوبه يسدله بالضم سدلًا أي أرخاه.
وقال الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض اهـ. فعلى هذا السدل والإسبال
واحد. قال العراقي: ويحتمل أن يراد بالسدل سدل الشعر ومنه حديث ابن عباس:
(أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سدل ناصيته) وفي حديث عائشة أنها سدلت
قناعها وهي محرمة أي أسبلته اهـ. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني
إن كان السدل مشتركًا بينها وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي.
وقد روي أن السدل من فعل اليهود أخرج الخلال في العلل
وأبو عبيد في الغريب من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي عليه
السلام (أنه خرج فرأى قومًا يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا
من قهرهم) قال أبو عبيد: هو موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه. قال صاحب
الإمام: والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه وذكره في القاموس
والنهاية في الفاء لا في القاف.
ـ والحديث يدل ـ على تحريم السدل في الصلاة لأنه معنى
النهي الحقيقي وكرهه ابن عمر ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري والشافعي في الصلاة
وغيرها. وقال أحمد: يكره في الصلاة. وقال جابر بن عبد اللَّه وعطاء والحسن
وابن سيرين ومكحول والزهري: لا بأس به وروي ذلك عن مالك وأنت خبير بأنه لا موجب
للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك.
قوله (وأن يغطي الرجل فاه) قال ابن حبان: لأنه من
زي المجوس قال: وإنما زجر عن تغطية الفم في الصلاة على الدوام لا عند التثاؤب
بمقدار ما يكظمه لحديث (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل)
وهذا لا يتم إلا بعد تسليم عدم اعتبار قيد في الصلاة المصرح به في المعطوف عليه في
جانب المعطوف وفيه خلاف ونزاع. وقد استدل به على كراهة أن يصلي الرجل ملتثمًا كما
فعل المصنف.
----------==================================
باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب
1 - عن ابن عمر قال: (من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم
وفيه درهم حرام لم يقبل اللَّه عز وجل له صلاة ما دام عليه ثم أدخل إصبعيه في
أذنيه وقال: صمتا إن لم يكن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سمعته يقوله).
رواه أحمد.
الحديث أخرجه عبد بن حميد والبيهقي في الشعب وضعفه وتمام
والخطيب وابن عساكر والديلمي وفي إسناده هاشم عن ابن عمر قال ابن كثير في
إرشاده: وهو لا يعرف. وقد استدل به من قال إن الصلاة في الثوب المغصوب أو
المغصوب ثمنه لا تصح وهم العترة جميعًا.
وقال أبو حنيفة والشافعي: تصح لأن العصيان ليس بنفس
الطاعة لتغاير اللباس والصلاة ورد بأن الحديث مصرح بنفي قبول الصلاة في الثوب
المغصوب ثمنه والمغصوب عينه بالأولى وأنت خبير بأن الحديث لا ينتهض للحجية ولو سلم
فمعنى القبول لا يستلزم نفي الصحة لأنه يرد على وجهين الأول يراد به الملازم لنفي
الصحة والإجزاء نحو قوله (هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به) والثاني
يراد به نفي الكمال والفضيلة كما في حديث نفي قبول صلاة الآبق والمغاضبة لزوجها
ومن في جوفه خمر وغيرهم ممن هو مجمع على صحة صلاتهم وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في
موضعين من هذا الشرح ومن ههنا تعلم أن نفي القبول مشترك بين الأمرين فلا يحمل على
أحدهما إلا لدليل فلا يتم الاحتجاج به في مواطن النزاع.
وقال أبو هاشم: إن استتر بحلال لم يفسدها المغصوب فوقه
إذ هو فضلة.
قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وفيه يعني الحديث دليل
على أن النقود تتعين في العقود اهـ وفي ذلك خلاف بين الفقهاء وقد صرح المتأخرون من
فقهاء الزيدية أنها تتعين في اثني عشر موضعًا ومحل الكلام على ذلك علم الفروع.
2 - وعن عائشة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد).
متفق عليه. ولأحمد: (من صنع أمرًا على غير أمرنا
فهو مردود).
قوله (ليس عليه أمرنا) المراد بالأمر هنا واحد
الأمور وهو ما كان عليه النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأصحابه.
قوله (فهو رد) المصدر بمعنى اسم المفعول كما بينته
الرواية الأخرى قال في الفتح: يحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود
ثمراتها المترتبة عليها وأن النهي يقتضي الفساد لأن المنهيات كلها ليست من أمر
الدين فيجب ردها ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله (ليس
عليه أمرنا) والمراد به أمر الدين وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه
مستحق الرد اهـ.
وهذا الحديث من قواعد الدين لأنه يندرج تحته من الأحكام
ما لا يأتي عليه الحصر. وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء من تقسيم
البدع إلى أقسام ـ نقل الإمام الشاطبي في الاعتصام أن العز بن عبد السلام نقل
الإجماع على أن كل بدعة ضلالة ثم قسمها إلى خمسة أقسام وتبعه في ذلك تلميذه
العلامة القرافي ومن جاء بعدهما من العلماء ونظر في تقسيمها وأجاب بما حاصله أن
البدعة إما أن تكون حسنة أو سيئة فإذا كانت سيئة فأمرها ظاهر وإن كانت حسنة فمن
المحسن لها إن كان الشرع فليست ببدعة وإن كان العقل فليس بمذهب أهل السنة والجماعة
وأصحاب الحديث إنما هو قول المعتزلة وأطال في ذلك وأطاب فعليك به فإنه أنفس كتاب
ألف في السنة والبدعة ـ وتخصيص الرد ببعضها بلا مخصص من عقل ولا نقل فعليك إذا
سمعت من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع مسندًا له بهذه الكلية وما يشابهها
من نحو قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم (كل بدعة ضلالة) طالبًا لدليل تخصيص
تلك البدعة التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة فإن جاءك به قبلته
وإن كاع كنت قد ألقمته حجرًا واسترحت من المجادلة.
ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث كل فعل أو ترك وقع الاتفاق
بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وخالفك
في اقتضائه البطلان أو الفساد متمسكًا بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك إلا
عدم أمر يؤثر عدمه في العدم كالشرط أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع فعليك
بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه إلا مجرد الاصطلاح مسندًا لهذا المنع بما في
حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل
قائلًا هذا أمر ليس من أمره وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد وكل رد باطل فهذا باطل
فالصلاة مثلًا التي ترك فيها ما كان يفعله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره فتكون باطلة بنفس هذا الدليل سواء كان ذلك
الأمر المفعول أو المتروك مانعًا باصطلاح أهل الأصول أو شرطًا أو غيرهما فليكن منك
هذا على ذكر.
قال في الفتح: وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام
وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع من الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا
يلتفت إليه قال النووي: هذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات
وإشاعة الاستدلال به كذلك. وقال الطوخي: هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة
الشرع لأن الدليل يتركب من مقدمتين والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه.
وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لأن
منطوقه مقدمة كلية مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس هذا ليس من أمر الشرع وكل ما
كان كذلك فهو مردود فهذا العمل مردود فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الدليل وإنما
يقع النزاع في الأولى ومفهومه أن من عمل عملًا عليه أمر الشرع فهو صحيح فلو اتفق
أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجمع أدلة
الشرع لكن هذا الثاني لا يوجد فإذن حديث الباب نصف أدلة الشرع انتهى.
3 - وعن عقبة بن عامر قال: (أهدي إلى رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم فروج حرير فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعًا
عنيفًا شديدًا كالكاره له ثم قال لا ينبغي هذا للمتقين).
متفق عليه.
قوله (فروج) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره
جيم هو القبا المفرج من خلف. وحكى أبو زكريا التبريزي عن أبي العلاء المعري جواز
ضم أوله وتخفيف الراء قال الحافظ في الفتح: والذي أهداه هو أكيدر دومة كما صرح بذلك
البخاري في اللباس.
والحديث استدل به من قال بتحريم الصلاة في الحرير وهو
الهادي في أحد قوليه والناصر والمنصور باللَّه والشافعي. وقال الهادي في أحد
قوليه وأبو العباس والمؤيد باللَّه والإمام يحيى وأكثر الفقهاء: إنها مكروهة فقط
مستدلين بأن علة التحريم الخيلاء ولا خيلاء في الصلاة وهذا تخصيص للنص بخيال علة
الخيلاء وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه.
وقد استدلوا لجواز الصلاة في ثياب الحرير بعدم إعادته
صلى اللَّه عليه وآله وسلم لتلك الصلاة وهو مردود لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل
التحريم ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ: (صلى في قبا ديباج ثم نزعه
وقال: نهاني جبريل) وسيأتي وهذا ظاهر في أن صلاته فيه كانت قبل تحريمه.
قال المصنف: وهذا يعني حديث الباب محمول على أنه لبسه قبل
تحريمه إذ لا يجوز أن يظن به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها ويدل على
إباحته في أول الأمر ما روى أنس بن مالك (أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب
الناس منها فقال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها)
رواه أحمد انتهى. قال في البحر: فإن لم يوجد غيره صحت فيه وفاقًا بينهم فإن
صلى عاريًا بطلت صلاته. وقال أحمد بن حنبل: يصلي عاريًا كالنجس.
وقد اختلفوا هل تجزئ الصلاة في الحرير بعد تحريمه أم لا
فقال الحافظ في الفتح: إنها تجزئ عند الجمهور مع التحريم وعن مالك يعيد في الوقت
انتهى. وسيأتي البحث عن لبس الحرير وحكمه قريبًا.
4 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: (لبس النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قباء من ديباج أهدي إليه ثم أوشك أن نزعه وأرسل به إلى عمر
بن الخطاب فقيل: قد أوشكت ما نزعته يا رسول اللَّه قال: نهاني عنه جبريل عليه
السلام فجاءه عمر يبكي فقال: يا رسول اللَّه كرهت أمرًا وأعطيتنيه فمالي فقال:
ما أعطيتك لتلبسه إنما أعطيتك تبيعه فباعه بألفي درهم).
رواه أحمد.
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بنحو مما هنا.
قوله (من ديباج) الديباج هو نوع من الحرير قيل هو ما
غلظ منه.
قوله (ثم أوشك) أي أسرع كما في القاموس وغيره.
والحديث يدل على تحريم لبس الحرير ولبس النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لا يكون دليلًا على الحل لأنه محمول على أنه لبسه قبل التحريم
بدليل قوله (نهاني عنه جبريل) ولهذا حصر الغرض من الإعطاء في البيع وسيأتي
تحقيق ما هو الحق في ذلك.
قال المصنف رحمه اللَّه: فيه يعني الحديث دليل أن أمته
عليه السلام أسوته في الأحكام اهـ وقد تقرر في الأصول ما هو الحق في ذلك والأدلة
العامة قاضية بمثل ما ذكره المصنف من نحو قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول
اللَّه أسوة حسنة}. {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
{قل إن كنتم تحبون اللَّه فاتبعوني}.
================================================
تحقيق القول في محرر بن قعنب الباهلي البصري الناقصة راوي ومتفرد برواي من قال لا اله الا الله دخل الجنة
احسن تحقيق لحديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة وبيا تفرد محرز بن قعنب الباهلي به علي الشذوذ وهو متهم في حفظه كما قال ابو حاتم بن حبان البستي ربما اخطأ
حديث
مرفوع) أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ
بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ
بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَرَّرُ
بْنُ قَعْنَبٍ الْبَاهِلِيُّ ، حَدَّثَنَا رِيَاحُ
بْنُ عُبَيْدَةَ ، عَنْ ذَكْوَانَ
السَّمَّانِ ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
" نَادِ فِي النَّاسِ : مَنْ قَالَ : لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " ، فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فِي
الطَّرِيقِ ، فَقَالَ : أَيْنَ
تُرِيدُ ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ : ارْجِعْ ، فَأَبَيْتُ ، فَلَهَزَنِي لَهْزَةً فِي
صَدْرِي أَلَمُهَا ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَجِدْ بُدًّا ، قَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَعَثْتَ هَذَا
بِكَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ طَمِعُوا وَخَشُوا ، فَقَالَ صَلَّى
الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اقْعُدْ " .
قلت المدون هذا
النص مختصر وناقص يلزمه الزيادات التي ذكرت في الأحاديث الآخري كما قال ابن الصلاح
قلت المدون وفيه محرر بن
قعنب الشهرة : محرر بن قعنب الباهلي النسب : البصري, الباهلي
الرتبة : صدوق حسن الحديث عاش في
: البصرة ومداره ايضا علي محرر
بن قعنب الباهلي قال أبو حاتم بن حبان البستي ربما أخطأ ووثقه أبو زرعة الرازي
وقال أحمد بن حنبل لا بأس به وقال محمد بن إسماعيل البخاري ذكره في التاريخ
الكبير، وقال: يعد في
البصريين ولم يذكره بتصحيح أو تضعيف
الأحد، 25 أكتوبر 2020
قول لا اله الا الله لا تكفي لدخول الجنة الا مع الشروط التي نصت عليا الروايات التامة مثل ذكر الصدق او الاخلاص او ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق